الحكومة السرية!

نشر في 19-04-2011
آخر تحديث 19-04-2011 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر رئيس الحكومة في أي دولة يجب أن يتمتع بفكر ورأي، ويؤمن ببرنامج متكامل أو شبه متكامل لإدارة شؤون بلاده وسياساته العامة، ويعلن عن رؤيته وأولويات حكومته قبل اختيار فريقه الوزاري، وليس بالضرورة أن يكون هناك إجماع شعبي أو اتفاق عام من قبل التيارات السياسية أو الكتل البرلمانية على سياساته وتوجهاته؛ وذلك لسبب بدهي ومنطقي يتمثل في وجود الرأي والرأي الآخر داخل أي مجتمع ديمقراطي وتعددي.

فلا يمكن لأي شخصية سياسية أن تكسب ثقة الجميع أو تنال الإجماع الشعبي مهما أوتيت من مقومات النجاح والذكاء وحسن التدبير وشفاعة الظروف، إلا في حدود نادرة جداً عندما يهيمن نجاحها الباهر ويفرض نفسه حتى على الخصوم، وعندئذ لا تكون لانتقاداتهم قيمة ذات صدى شعبي يذكر!

ومن هذا المنطلق، فإن الشفافية والوضوح والتقييم الموضوعي للأداء بعيدا عن التجاذبات السياسية، قد تكون عنواناً مهماً للمرحلة القادمة سواء على صعيد شخصية سمو رئيس مجلس الوزراء نفسه أو الوزراء الذين يتم اختيارهم، أو برنامج عمله التنفيذي لما تبقى من عمر هذا الفصل التشريعي.

ولكن يبدو أن مخاض ولادة الحكومة المرتقبة عسير، ولم يأته الطلق السياسي بعد، وقد يكون تأخير إعلان الوزارة متعمداً لإضاعة الوقت، ومضي الأسابيع القادمة من دور الانعقاد، ودخول رئيس الحكومة ووزرائه قاعة البرلمان بالتزامن مع مناقشة الميزانيات، ثم حلول العطلة البرلمانية قبل شهر رمضان بوقت كاف كالعادة، كمناورة سياسية لتجنب المواجهة مع مجلس الأمة على صعيد القوانين الخلافية الحادة أو الاستجوابات المعدة سلفاً أو تلك التي تم إعلانها.

ومثل هذا التخوف أو التكتيك الحكومي يعكس دلالة مرجحة، وهي احتمالية عودة التشكيلة الحكومية المستقيلة نفسها بتغيير شكلي محدود لا يتجاوز وزيرين أو ثلاثة على الأكثر، والأخطر من ذلك أن يبقى النهج الحكومي والرؤية السياسية لها امتدادين للحكومات الست السابقة، الأمر الذي سيقود البلد من جديد إلى نفس الدائرة المغلقة من التأزيم والتراشق النيابي-النيابي وتأجيج الشارع، وأخيراً الصدام المحتوم الذي قد يطيح بالحكومة أو المجلس أو كليهما معاً.

وحتى لا نستبق الأحداث من جهة ولا تترك الساحة السياسية عرضة للتكهنات والإشاعات؛ ولتجنب الكثير من الاتهامات والتهديدات والمطالبة بالمحاصصات الطائفية والقبلية والعائلية، ومن أجل إزالة جدران التكتم والسرية وإماطة الستار عمّا يدور من المناقشات واللقاءات العلنية وما يدور من صفقات خلف الكواليس، وانطلاقاً من حساسية الظروف العاصفة محلياً وإقليمياً، نقدم هذه النصيحة لعلها تكون مدخلاً لنمط جديد من المشاورات السياسية في تشكيل الحكومة مستقبلاً أسوة بالكثير من التجارب الديمقراطية الناجحة نسبياً. وتكمن هذه النصيحة في ظهور سمو الرئيس المكلف في مؤتمر صحفي يعلن فيه بصراحة توجهاته السياسية، ويضع النقاط على الحروف بالنسبة إلى القضايا ذات الأهمية القصوى للدولة، ومنهجيته في التعامل معها ولو بشيء من التفصيل، إضافة إلى الإجابة عن المواضيع التي ينتقد عليها دائماً، وحتى مادة المساءلة السياسية المعدة له أو لوزرائه وبيان طريقة معالجتها.

وعلى ضوء ذلك على سمو الرئيس تشخيص نوعية الفريق الذي يرغب في التعامل معه، وليس معيباً أن يفصح عن الأسماء التي التقى بها لتشكيل حكومته، وحرصه على الاستفادة من خبراتهم وأطروحاتهم ومدى التزامها ببرنامجه وسياسته، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشخصيات التي قد يرشحها لتولي الحقائب الوزارية وموقف كل منها من القضايا التي يوليها اهتماماته، وذلك حتى يتبين للناس الاتجاهات العامة للحكومة الجديدة وقياس نبض قبولها شعبياً وسياسياً.

ولعل الأهمية القصوى في مثل هذه المبادرة تكمن في طرح منهج جديد لفكر الحكومة وفلسفتها ورؤيتها، بحيث تتمتع بشفافية ومصداقية وتتحمل بموجبها المسؤولية، ووضع حد لحكومات السر والصفقات التي تولد مشلولة وتشل معها البلاد والعباد!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top