خياران صعبان
ليس أكثر إرباكاً من هذا الوضع السياسي الذي يعيشه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، فهو أصبح فعلاً بين خيارين كل واحد منهما أسوأ وأخطر من الآخر فإما أن يستمر ويقبل الإملاءات التي تلد في كل يوم إملاءات جديدة أكثر من سابقاتها سوءاً وأشد وطأة على نفسه وعلى ثوابته السياسية، وإما أن يفعل ما كان فعله والده (الشهيد) ذات يوم، عندما فاجأ مستهدفيه بأن استقال من منصبه وقلب الطاولة على رؤوسهم ورؤوس الذين يقفون وراءهم.حتى أيوب نفسه لا يستطيع أن يصبر كل هذا الصبر فحزب الله لم يعد يعتصم بـ"التّقية" وبات يدفعه دفعاً قوياً بفوهات البنادق نحو خيار لا غيره خيار، فإما أن يتخلى عن دم والده ويسقط المحكمة الدولية ويقطع الطريق على القرار الظني الذي من المفترض أن تصدره هذه المحكمة في فترة لاحقة قريبة، وإلا فإن لبنان سيغرق في الدماء، وهو نفسه سيفقد حياته كما فقد رفيق الحريري (الشهيد) حياته، عندما رفض أن يطأطئ رأسه ويساوم على ثوابته ويغمض عينيه عن سيادة بلده المستباحة.
إلى متى يستمر سعد الحريري صامداً بين خيار مر وخيار أمرّ منه؟ وإلى متى يستطيع هذا الشاب، الذي أطبقت أضلاع المعادلة الإقليمية عليه، كما كانت أطبقت على أبيه، تحمل هذا الظلم الذي ليس مثله ظُلم، إذ بات عليه إما أن يتخلى عن دم والده ويتخلى حتى عن حق معرفة من قتل رفيق الحريري (الشهيد) بتلك الصورة الوحشية والإجرامية البشعة، وإما أن يغرق لبنان في الدماء ويفقد هو وربما معه كل أفراد عائلته الأقربين حياتهم...؟!إنهما خياران صعبان فعلاً، ولعل الأصعب منهما أن ينصحه المقربون منه كلهم أو غالبيتهم بأي من الخيارين عليه أن يستسلم له، والمثل يقول "إن الذي يعد العصّي ليس مثل الذي يأكلها"، وبالنسبة إلى هذا الشاب الذي لا يزال على بداية طريقه السياسي الطويل فإن التخلي عن دم والده يشكل عبئاً على ضميره وقلبه، وإنّ ترك لبنان يغرق في الدماء وألسنة النيران، كما يهدد حسن نصر الله ويواصل التهديد، يشكل نفس العبء ونفس المسؤولية.وهكذا فإنه لا يوجد أمام سعد الحريري وزملائه إلا السعي إلى إحداث شرخ في المعادلة الإقليمية الحالية، واستبدالها بمعادلة أخرى تكون كفيلة بوضع حد لعربدة حسن نصر الله وحزبه، وإفهام الذين يقفون وراءه ووراء حزبه أن تماديهم في هذه اللعبة الخطيرة سيكون مكلفاً جداً، وما عدا هذا فإنه من الأفضل لهذا الشاب، الذي لايزال في بداية مسيرته السياسية، أن يتمسك بدم والده وبحقه في معرفة من ارتكب جريمة قتل أبيه، وأن يستقيل ويقلب الطاولة على رؤوس الجميع، حتى وإن اضطر إلى الخيار الصعب الثالث الذي هو خيار المنافي البعيدة.