هكذا شبّه الإخوة الإسلاميون المرأة التي ترتدي لباس البحر على البحر. وقبل أن أبدأ حكاية البيبي عائشة التي لم يعلّق أيٌّ من الإخوة عليها وهي تتصدر غلاف مجلة التايم في يوليو الماضي، أريد أن أوضح نقاطاً أراها ضرورية لكي لا تأخذ الآراء منعطفاً بعيداً عن مضمون المقال.

Ad

نحن هنا نناقش الإسلاميين لا الإسلام، نناقش أصحاب الفكر لا الفكر. نناقش خلط العادات والتقاليد التي اشتبكت واختلطت بالفكر الإسلامي العظيم حتى تلاشت الخيوط بين هذه وذاك، وأصبحنا بالكاد نميّز بين ما هو عادات تعارف عليها أهل الإسلام وبين الإسلام كفكر عظيم. ما يحدث أننا ننظر إلى عادات أهل الإسلام كمحصلة للإسلام، ويرى الآخر أن تلك العادات جزء من ممارساتنا الدينية.

أعود الى حكاية البيبي عائشة. هذه الطفلة الأفغانية التي وجدت نفسها في متاهة مقاتلي طالبان وهزت صورتها المرعبة المجتمع الدولي وهي تتصدر غلاف "التايم" أولاً ثم "نيويورك تايمز" وبقية الصحف الأخرى مجدوعة الأنف والأذنين. مشكلتها أو مصيبتها أنها ولدت لعائلة حدث بينها وبين أسرة مقاتل من طالبان ثارات، وبموجب العرف والتقاليد القبلية تم اهداؤها وشقيقتها وهي في الثانية عشرة من عمرها إلى المقاتل الطالباني الذي تزوجها وتركها لدى أسرته تخدم الأسرة كمملوكة جاءت اقتصاصاً لثأر، فلم تكُن لها كرامة أو قيمة حتى ملّت حالة العذاب الذي تعيشه فقررت الهرب من المنزل الى قندهار. كان ذلك الهروب بمنزلة العار للمقاتل الطالباني الذي فقد أنفه حسب العرف القبلي وعليه أن يثأر لذلك ويبحث عن زوجته الهاربة التي مرّغت أنفه في الوحل.

لجأت الفتاة الى عمها لكنه آثر السلامة فطردها من البيت لتجد نفسها مرة أخرى بيد زوجها وشقيقه. أخذها الرجلان الى أحد الجبال وهناك قررا إنزال حكمهما عليها، فقررا قطع أنفها قصاصاً لأنف الزوج المُهان وأضافا إلى ذلك أذنيها. بقيت الفتاة تنزف وحيدة حتى مرت قافلة سيارات أسعفتها الى مكان آمن وتم نقلها الى مكتب للأميركان حيث نقلت الى مستشفى أميركي أجرى لها عمليات جراحية لترميم ما دُمِّر من وجهها. استمرت عمليات التجميل ثمانية أشهر لترميم الأنف والأذنين في كاليفورنيا ولا يعرف أحد شيئاً عن شقيقة عائشة التي تصغرها لدى العائلة الآن.   

لم يقُل أحد ممّن تناول قصة البيبي عائشة أنها ضحية تقليد قبلي في أفغانستان، وكل ما يتحدثون عنه هو ماذا سيحدث للإنسان وللمرأة بالتحديد لو تركا أفغانستان. كل ما يتحدثون عنه هو أننا كمسلمين مجموعة من الوحوش لا نحترم الطفل أولاً ولا المرأة ثانياً.

مرت أشهر طويلة على حكاية عائشة وصورتها المرعبة على غلاف المجلة، ولم يقف أحد من إخوتنا في الاسلام للدفاع عنها وعن صورة المسلم التي أصبحت أكثر نمطية من قبل. قبل تلك الحادثة كانت في ذهني صورة المرأة العربية المتّشحة بالسواد والتي سقطت مُغمى عليها أمام زوجها الذي رفض أن تنقلها سيارة الإسعاف الأميركية، لأن المسعفين كانوا رجالاً، فقال له المسعف: سقطت زوجتك من شدة الحرارة ولم تسقط أنت لأنك ترتدي شورتاً وفانيلة.

ليس الخوف من قانون يمنع لباس البحر على البحر خصوصا بعد أن ضاع البحر، بل الخوف ممّا سيلي ذلك من قوانين أخرى تشبّه المرأة تشبيها جديداً غير الكلاب.