آمال: فلو

نشر في 06-02-2011
آخر تحديث 06-02-2011 | 00:00
 محمد الوشيحي سحقاً لـ«تويتر» ابن تويتر. شَغلنا عن مصالحنا وغيّر طبائعنا. وكنت من المداومين على قراءة الكتب، فصرفني عنها كما تصرف الزوجة الثانية اللهلوبة زوجها عن امرأته الأولى المكركبة... واقتحمت - أنا الذي ليس بيني وبين التكنولوجيا إلا الذكر الحسن - عالم «تويتر»، وكان الذي كان.

والبداية كارثية، فالدخول إلى المكان الذي لا تعرف نظامه قد يجلب لك الهم والغم... وتذكرت حكاية الوالد رحمه الله، وكان عمره حينذاك نحو تسعين سنة، عندما أدخله شقيقي خالد وهما في الطريق إلى العمرة «مطعم مندي» بعد أن أوهمه أنه بيت أحد أصدقائه السعوديين، والمرحوم لم يسبق له رؤية المطاعم من الداخل، فهو من جيل يعتبر المطاعم عيباً وشق جيب، والنقيصة الكبرى أن تمتلك مطعماً يأكل فيه  «الضيوف» بفلوس، وأنت من سلالة من كان يقتّر على أولاده لمصلحة ضيوفه وعابري السبيل! ولم ينقطع المرحوم عن رواية ما شاهده في المطعم، أو في «بيت صديق ابنه»، كما كان يعتقد، إلى أن مات، وكيف أن الجيل هذا جيل منزوع البركة، «يفتح أحدهم بيته لأصحابه ويطعمهم بمقابل، ولا يستقبل الضيوف عند الباب بل يجلس على كرسي في أقصى (المجلس)»، يقول ذلك ثم يؤكد: «اقتربت الساعة لا شك، نسأل الله العفو والغفران». ولا أدري ماذا كان سيقول لو علم أن ابنه محمد من مدمني المطاعم والمقاهي، نسأل الله العفو، أو علم أنني أشرب الموكا والكابتشينو، لطفك يا لطيف.

... ودخلت «تويتر»، وفي اليوم الأول كتب أحدهم لي «الوشيحي فلو»، فتمتمت: «سامحك الله» (الفلو في لهجتنا شتيمة، أي خبل، وبالفصحى مخبول)، فكتب الثاني «الوشيحي فلو» فتمتمت: «سامحكما الله»، فكتب الثالث «الوشيحي فلو» والرابع والخامس ووو، فارتفع منسوب غضبي وغمغمت: «الفلاوة أنتم يا عديمي الشيمة والقيمة»، وتشاءمت من هذه التكنولوجيا التي بدايتها «هوشة مع فلاوة»، وعلمت لاحقاً أن المقصود هو «الوشيحي follow me» أي اتبعني كي تتمكن من قراءة ما أكتبه، كما هو النظام في تويتر، فانفرجت أساريري، ورحت أتبع كل ذي فلو عميق، وصرت أغرّد مع بقية العصافير. على أن آخر عصفور من المشاهير حطّ على سدرتنا هو «الشيخ أحمد الفهد»، وما أكثر الذين كتبوا «شيخ أحمد فلو». وقد تبعته، فوجدته يتحدث كما تتحدث «كونا» وكالة الأنباء الكويتية، فانحرفت يميناً وتركته.

ولأن «تويتر» لا يحتاج إلى ورق ولا إعلانات ولا إيجار ولا رواتب موظفين ووو، كما هو الحال في الصحف، فقد نجا من قبضة ذوي السلطات، إلى حد ما، ولأن فشل حكومتنا يدفع الكائنات البحرية إلى الحديث عن السياسة، فقد سيطرت السياسة على مفاصل «تويتر»، وراح الناس يصبون جام غضبهم على الحكومة، إلى أن امتلأ وعاؤها.

وأدركت الحكومة خطورة «تويتر»، فأوعزت إلى صبيانها وبلطجيتها، فاقتحموه، وأدخلوها من الباب الخلفي، و«إن الحكومة إذا دخلت قرية أفسدتها»، فهي التي أفسدت البرلمان والصحافة والانتخابات والعلاقات الاجتماعية بين الناس ووو، وجاء دور» تويتر»، فأبشروا بالفساد.

وتقول الدراسات: «عام 2020 سيكون العام الأخير للصحافة الورقية»، وأقول أنا: «عام 2012 سيأخذ معه الصحافة الورقية قبل أن يغادر»، فلم يعد يحتاج الناس من الصحف إلا مقالات كتّابها وافتتاحياتها ولقاءاتها»، وما عدا ذلك موجود في «تويتر».

«تويتر»، هذا العصفور الضئيل، سيهدم الأسوار الخرافية والعروش الوهمية، كما هدمت فأرة مأرب السد العظيم... ولو كان «تويتر» رجلاً لأجلسَته الشعوب في «صدر الديوان» ولرجمه كل ديكتاتور، ودخل بسببه «خدمة مجتمع».

back to top