الحكم في استجواب سمو الرئيس هو الدستور الذي قنّن آلية التعاطي مع رفع كتاب عدم التعاون، كما أشارت بذلك المذكرة التفسيرية التي تأتي رديفا قانونيا يرجع إليه المجلس في فهم بعض مواد الدستور لضمان وحدة الوطن واستقرار الحكم.

Ad

ومن تلك التفسيرات ميزة الاستقرار، التي شخصت علة النظام البرلماني في العالم بحيث يكمن في المسؤولية الوزارية التضامنية أمام البرلمان، فهذه المسؤولية هي التي يخشى أن تجعل من الحكم هدفا لمعركة لا هوادة فيها بين الأحزاب، بل تجعل من هذا الهدف سببا رئيسا للانتماء إلى هذا الحزب أو ذاك، وليس أخطر على سلامة الحكم الديمقراطي من أن يكون هذا الانحراف أساسا لبناء الأحزاب السياسية في الدولة بدلا من البرامج والمبادئ، وأن يكون الحكم غاية لا مجرد وسيلة لتحقيق حكم أسلم وحياة أفضل لتضيع الحريات باسم حمايتها، ولتصبح تجارة باسم الوطنية.

اليوم هذه التجارة لها وكالات حصرية يقودها مجموعة احتكرت صك الوطنية عليها دون سواها لتنعت من يختلف معها بالرأي بالخيانة، وكأن مصادرة الحريات وكالة حصرية هي الأخرى، متجاوزين على الدستور الذي كفل حرية التعبير في عدة مواد ومنها على الأخص مادة (36) «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون».

كما لم يغفل المشرعون عن أهمية التوفيق بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي بالأسلوب المزدوج التالي:

أ- جعل الدستور حجر الزاوية في كفالة الاستقرار في الحكم متمثلا في الأمور الآتية:

1 - كون نظام الإمارة وراثياً.

2 - عدم النص على إسقاط الوزارة بكاملها بقرار عدم ثقة يصدره مجلس الأمة، والاستعاضة عن ذلك الأصل البرلماني بنوع من التحكيم يحسمه الأمير بما يراه محققا للمصلحة العامة، وذلك إذا ما رأى مجلس الأمة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء (مادة 102)، وبشرط ألا يصدر قرار بذلك إلا بناء على استجواب وبعد الانتهاء من مناقشته، (والاستجواب لا تجوز مناقشته أصلا إلا بعد ثمانية أيام على الأقل من تقديمه ما لم يوافق من وجه إليه الاستجواب على الاستعجال). ويجب أيضا أن يكون قرار المجلس بعدم التعاون صادرا بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس (فيما عدا الوزراء- مادة 101). فإن أمكن اجتياز هذه العقبات جميعا وصدر قرار المجلس بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء لم يترتب على ذلك تنحيه (والوزراء بالتالي) عن الوزارة كما هو مقرر بالنسبة للوزير، وإنما يكون الأمير حكما في الأمر، إن شاء أخذ برأي المجلس وأعفى الوزارة، وإن شاء احتفظ بالوزارة وحل المجلس. وفي هذه الحالة إذا استمر رئيس الوزارة المذكورة في الحكم وقرر المجلس الجديد- بذات الأغلبية المنوه عنها- عدم التعاون معه اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس الجديد في هذا الشأن، وتشكل وزارة جديدة.

هذه الخطوات الإجرائية يعي مقدمو حجب الثقة عن سمو الرئيس صعوبة تحقيقها في الوقت الحالي، لذا كانت الندوات الشعبية المتنفس لهم لتحقيق مرادهم ليجروا الشارع إلى نتائج قد لا تحمد عقباها، وقد تكون خافية عنهم، كما أن اختيار سمو الرئيس من صلاحيات سمو الأمير المطلقة وهو أعلم بمصلحة الوطن.

أخيرا احترام إرادة النواب، سواء المؤيدون أو المعارضون لطرح الثقة يجب تركه لقناعة النائب نفسه في جلسة 28|12 وليس بتغليب الشارع، فالمحاسبة المطلوبة من المواطن تأتي بموعد الاقتراع وليس بمصادرة الرأي وحشد الناس.

ودمتم سالمين.