لا تزال الأبراج الشاهقة للشقق الاستثمارية تعصف بها ريح القيم الايجارية، بينما آثر الوافدون العودة إلى بلدانهم أو البحث عن مشاركة في السكن، هرباً من ارتفاع الإيجارات، في حين يؤكد المتخصصون أن الحل يكمن في تمليك الوافدين.

Ad

يعاني قطاع الشقق الاستثمارية ركودا شديدا منذ مدة طويلة، ومعظم العمارات لا تخلو بوابتها من عبارة "شقق للايجار"، وهنا يُطرح سؤال ملح ومهم هو ما المطلوب من الحكومة ومجلس الأمة لتنشيط هذا القطاع الذي سيبث الحياة والنشاط في قطاعات اخرى كثيرة.

وقد ادت زيادة المعروض من الشقق السكنية الى هبوط القيم الايجارية بشكل سريع، ما جعل الشركات وملاك الأبراج يعزفون عن ايجار عماراتهم وتركها خاوية بدلا من تأجيرها بأسعار رخيصة.

كيف يمكن تنشيط قطاع الشقق وسوق العقار عموماً، هل المطلوب سن قوانين جديدة ام اتخاذ الحكومة اجراءات تنشيطية؟ للإجابة عن هذا التساؤل كانت لنا لقاءات مع مجموعة من المتخصصين العقاريين.

 

افتحوا البلد

طالب رئيس مجلس إدارة شركة الجزيرة القابضة محمد النقي بفتح البلد امام الراغبين في الاستثمار فيه، مشيرا الى ان هؤلاء لم يفكروا ولن يفكروا في دخوله اذا لم يجدوا لهم مكانا يمتلكونه كي يؤويهم في نهاية اليوم.

واكد النقي ضرورة منح الاجانب امكانية تملك الشقق السكنية نفسها لا الشقق الاستثمارية، إذ إن هذه الخطة استثمارية وتشجع على تحريك الدورة الاقتصادية للبلاد، الأمر الذي يعطي دفعة قوية للحركة الاقتصادية بقطاعاتها كافة، ويبعد البلاد عن أي ازمة قد تصيب الاقتصاد العالمي، وتجعل البلد منغلقا يميل مع ادنى هزة من اعاصير الازمات التي تضرب اقتصادات العالم.

ولفت الى ان الحاجة باتت ملحة بالنظر الى بقية دول الجوار المنفتحة امام الاجانب، كي تضخ استثمارات توافق طبيعة المرحلة، ولا تبقى جامدة عند حد من الحدود التي اكل الدهر عليها وشرب.

وبين ان تمليك الاجانب من ابرز الخطوات الحكومية الجريئة التي تسهم في توطين اليد العاملة التي ستشعر بمزيد من الامان بامتلاكها المسكن وبمزيد من الاستقرار والاختيار، فمن يفقد فرصة عمل يبحث عن اخرى ولا يفكر في العودة الى بلده لأن له ارتباطا ببيت في الكويت.

على صعيد ذي صلة، لفت النقي الى ان الخليجيين مقلون في زيارة الكويت بقصد السياحة لوجود الاسعار الغالية في الشقق السياحية من حيث القيمة التأجيرية، ولو كان الامر مفتوحا امام جميع الاجانب لنشطت الحركة العقارية السياحية، الأمر الذي يجعل الاسعار تنافسية لخطب ود العملاء، ويسهم ايضا في تحقيق توازن منطقي بالاسعار طبقا للمثل القائل "لا تكن صلبا فتكسر ولا رطبا فتعصر".

ولفت الى ان التمليك يجب الا يقتصر على الشقق السكنية والابراج وغيرها، بل حتى المحلات والمتاجر والشقق السياحية يجب ان تفتح الابواب امام الاجانب لتملكها، لبث روح الحياة والنشاط في الدورة الاقتصادية للكويت بكل القطاعات الاقتصادية العاملة في السوق، سواء العقارية منها او المصرفية او الخدمية او الصناعية او غيرها.

وقال: "انظر الى قطاع الفندقة، لن تجد فيه الا حالة ركود جعلته شبه معدوم، وانظر الى بقية القطاعات، لن تجد فيها سوى سيادة حالة الجمود التي يخشى ان تتحول الى ركود ثم الى كساد".

مشكلة خطيرة

وذكر رئيس مجلس ادارة شركة المكان المتحدة العقارية عبدالحميد جمال أن الوافدين يشكلون نحو ثلثي سكان الكويت، وهذا يعني ان تمليك الوافدين يعني بث الحياة في نحو ثلثي قطاعات السوق بجميع انواعها.

وبين ان مشكلة الشقق الاستثمارية ليست مشكلة وفرة في المعروض بقدر ما هي مشكلة في القوانين التي تحول دون تملك الوافد لبيته، الامر الذي يجعله يفكر مليا في العودة الى بلده عند ابسط الازمات التي يمر بها، لأنه ليس لديه ما يربطه في هذا البلد الا العمل، فإذا فقد عمله فكر جديا وسريعا في العودة الى البلد، ما يعني تركه شقته فارغة تبحث عن جديد، وهيهات ان يأتي الجديد على عجل وسرعة من الامر.

وقال إن زيادة المعروض لم تحل هي الاخرى بجعل القيم الايجارية للشقق السكنية تهبط بشكل سريع، بل ان الشركات وملاك الابراج آثروا ترك الابراج خاوية على عروشها تعصف بها الريح على ان يؤجروها بقيم ايجارية رخيصة تضع ابراجهم ضحية، كما يرون، للقيم البيعية المتدنية.

واوضح ان تمليك الوافدين والاجانب على وجه العموم، وخصوصا المقيمين منهم على ارض الكويت، خطوة في الاتجاه الصحيح للتخلص من هذا الاحتكار لهذا الكم الهائل من الابراج والعمارات الفارغة.

واكد ان مكوث الوافدين في البلاد، وهم ثلثا القاطنين على ارض الكويت، يعني جعل الدورة الاقتصادية للكويت انشط واسرع واكثر نفعا، ما يجعل الكويت بعد وقت قصير قبلة يقصدها السياح والمستثمرون على اختلاف انواع استثماراتهم.

وطالب جمال بفتح البلاد على عجل في ظل خطة تنموية تحتاج الى المزيد من الاستقرار النفسي لدى الفئات العاملة في الكويت مع سيادة الاستقرار الاقتصادي.

ملكوا الوافدين

من جهته، اكد صاحب مكتب سنديكيت العقاري يعقوب السالم ان من ابرز الخطوات التي يمكن للدولة ان تحل مشكلة الشقق السكنية الاستثمارية بها، وتضع حدا لهذا الركود في هذا القطاع الحيوي من قطاعات الاقتصاد الكويتي، هي تحقيق الاستقرار للعاملين على ارض الكويت بفتح باب التمليك، ما ينعكس بالايجاب على الدورة الاقتصادية بكل قطاعاتها العاملة في السوق، من خدمات الى صناعة الى سياحة الى عقار بأنواعه، الصناعي والسياحي والاستثماري والمكاتب، وغيرها من القطاعات.

واكد السالم ان الجانب الامني قد تم تحقيق سيادته ما يجعل الهاجس الامني بعيدا عن الاسباب التي من اجلها لم تتخذ الدولة خطوة تمليك الوافدين او الاجانب.

ولفت الى ان الاجنبي الذي يأتي حاملا في جعبته امواله بمشاريع استثمارية عملاقة له بالغ الاثر في قطاعات الاقتصاد الكويتي، بينما تعتبر خطوة التمليك هذه، التي تنعكس ايجابا على القطاعات الاقتصادية كافة، دافعا نحو توطين رأس المال الكويتي الذي اخرج الى الواقع مشاريع عملاقة ولكن خارج الكويت.

وبين ان الاستثمارات الكويتية الضخمة برزت في الخارج، وان معظم الشركات الكويتية لم تجد ذات السمعة والصيت داخل البلاد، بل وجدت ضالتها خارج البلاد بمشاريع وعوائد وتسهيلات ضخمة، وترحيب كبير، حتى انها تستطيع تملك مشاريع خارج البلاد تضخ فيها استثماراتها بمختلف الانواع والاحجام.

واكد ان الكويت اجدر بالمحافظة على شركاتها من الخروج برؤوس الاموال الضخمة هذه الى خارج البلاد وتوطينها على ارض الكويت، ولن يتم ذلك الا بفتح الباب امام الجميع، الذي يبدأ من نقطة التمليك للشقق على اختلاف انواعها الاستثمارية والسياحية، ثم بقية انواع الاستثمارات.

ويرى ان الابراج الشاهقة التي نراها مترامية هنا وهناك من مناطق الكويت لن تحقق العوائد من انشائها الا بفتح باب التمليك، كي لا يبقى احساس الوافد او الاجنبي بأنه وافد، وانه في اي لحظة يستطيع صاحب الشقة ان يقول له "اخليها"، دون ان يحسب الاخير اي حسابات لانعكاسات طلبه هذا من المستأجر.