حين يتعب الكاتب!

نشر في 17-03-2011
آخر تحديث 17-03-2011 | 00:00
 د. ساجد العبدلي الكتابة ليست وظيفة بالنسبة لي، إنما هي، في المقام الأول، شغف وعشق وهواية أعشقها وأحبها وأسعى إلى تنميتها، وأعلن أني سأبقى دائما أتعامل معها كذلك، لأني أرى أنها حين تصبح مجرد وظيفة نمطية سأفقد التلذذ بها وحينها- وهذا هو أسوأ ما في الأمر- سيكون نتاج القلم نتاجاً مكرورا طعمه فاتر، تماما كالأطعمة المعلبة!

لماذا يفترض الناس دوماً أن الكاتب يجب أن يكون مثل الآلة المعايرة (بفتح الراء) التي لا تحيد عن خطها، ومثل برنامج الكمبيوتر المبرمج بدقة لا تخطئ؟ وأن من الواجب عليه أن يكتب, ويكتب, ويكتب في الخط نفسه ليلاً ونهاراً، وأن يبقى عقله دائراً طوال الوقت حول المحاور والأفكار نفسها؟

أنا أستطيع أن أفهم وأقدر تماماً أن الناس ترى في الكاتب قلماً يجب أن يعبر عما يجيش في صدورهم، وهذا حقهم, بل إني من أشد المؤيدين لفكرة أن الكاتب إن لم يكتب ما يفيد الناس، بشكل من الأشكال فالفائدة درجات وأصناف بطبيعة الحال، فالأفضل له أن يكف قلمه عن الكتابة العامة وأن يكتب لقراطيسه الخاصة! لكنني أيضا أرجو في المقابل ألا ينسى الناس أن الكاتب في نهاية المطاف ما هو إلا بشر, حالة إنسانية أخرى مثل كل الحالات الإنسانية التي من حولهم، بانتصاراتها وانكساراتها، بأفراحها وأحزانها، الكبيرة وأيضا تلك الصغيرة، ومثلما أن لكل مخلوق في هذه الدنيا لحظات تعب ولحظات ثورة ولحظات صخب ولحظات صمت، فإن للكاتب لحظات يحتاج فيها أن يمارس إنسانيته, وأن، وهذا أقل القليل، يكتب في أمور أخرى على سبيل التغيير!

يذكرني الموضوع بنزار قباني في كتابه الجميل «شيء من النثر»، وبالمناسبة، لا أحد يضاهي روعة نزار الشاعر سوى نزار الناثر, وذلك حين أجاب عن سؤال هل يحق لك ككاتب أن تضرب عن الكلام؟ وهل يحق لك أن تتوقف عن الكتابة، فقال «إن محركات الرولز رويس تتوقف، والمصاعد في نيويورك تتوقف، وطائرات الجامبو تتعب من الإقلاع والهبوط، والأسماك المهاجرة تتعب من السباحة, بل إن القلب نفسه يضجر من دورته الدموية. صحيح أن الكاتب مسؤول مسؤولية أدبية عن تجميل هذا العالم، وإضاءة قناديل الفرح فيه, ولكن هل هذا يعني أن يصبح الكاتب قنا من الأقنان، يشتغل كالصيدليات المناوبة ليلاً ونهاراً، ولا يحق له أن يتمتع بإجازته السنوية, كي يمرض, أو يتزوج, أو يموت؟!».

الكتابة ليست وظيفة بالنسبة لي، إنما هي، في المقام الأول، شغف وعشق وهواية أعشقها وأحبها وأسعى إلى تنميتها، وأعلن أني سأبقى دائما أتعامل معها كذلك، لأني أرى أنها حين تصبح مجرد وظيفة نمطية سأفقد التلذذ بها وحينها- وهذا هو أسوأ ما في الأمر- سيكون نتاج القلم نتاجاً مكرورا طعمه فاتر، تماما كالأطعمة المعلبة!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top