يحار الشباب والفتيات في إيجاد طريقة لاتخاذ قرارٍ من القرارات، وتأتي الحيرة حين اختيار التخصص الجامعي، وتعود بعد التخرج حين يطرح الخريج خياراته الوظيفية، يتردد ما بين الهندسة والطب والأدب وسواها من التخصصات.

وهذا في نظري يعود إلى ضعف التثقيف لدينا، إن كان في البيت أو في المؤسسات التعليمية، حول طرق اتخاذ القرارات.

Ad

من السهل أن تتخذ قراراً لكن من الصعب عليك أن تدرك كل عواقبه، والقرارات للأسف لا يمكن فهمها عبر «الآلة الحاسبة»، لهذا من الضروري أن تقوم الجامعات أو مؤسسات التربية والتعليم بإقامة دورات تدريبية تعزز لدى الطالب طرق اختيار القرار الصائب.

مبدئياً من الكتب الرائعة التي تتحدث عن «الاختيار» كتاب «حقائق حول اتخاذ القرارات الصائبة»، من تأليف: روبرت. إي. غانثر، وهو الحائز دكتوراه في الفلسفة، وجدتُ فيه الكثير من المتعة والفائدة، قرأتُ في طياته أكثر من خمسين فكرة عن أسس اتخاذ القرار الصائب، أو الأقرب إلى الصواب، لأن الحياة لا يوجد فيها شر مطلق أو خير مطلق، بل يوجد خير كثير يطغى على الشر، وشر كثير يطغى على الخير، ولعلي في هذا المقال أقف مع بعض الأفكار الواردة في الكتاب، لأن عرضه كله يحتاج إلى مقالات كثيرة، وقديماً قالوا: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق!

يرى المؤلف أن القرارات ليست لقطات بل أفلام، مستنداً على مقولة مارك توين: «إن فنّ التوقعات صعب وخصوصاً ذلك المتعلق بالمستقبل»، ثم يمضي في شرح الفكرة: «ليس الأمر أبداً كرةً بلورية لمعرفة الاتجاه الذي سيقودنا إليه كل طريق، يمكن لشخصٍ ترك الدراسة في الكلية مثل بيل غيتس وتابع حياته أن يصبح أغنى وأنجح رجلٍ في العالم، ما الأمر الذي لم يسبب القلق لأهل ولدٍ انقطع عن الدراسة في جامعة هارفارد؟ كيف كان لوالدة ستيفن كينغ أن تعلم أن صور القتل الوحشي التي كان يعلقها على جدران غرفته لم تكن أبداً بداية مهنة الإجرام وإنما عبقرية تمثلت في أنه أصبح أعظم الروائيين؟ ليست النهاية واضحة دائماً عند اتخاذ القرارات».

فهو يعتبر القرار جزءاً من التفكير الذي يتخذه الشخص، وللأفكار والتخيلات التي لدى الإنسان دورها في صناعة القرار، يقول: «عندما نفكر في القرارات، ننظر دائماً إليها كلقطاتٍ وليس كأفلام، أي أننا ننظر إلى قرارٍ واحد، ولكن في الواقع يشكل كل قرار حلقة من سلسلة قرارات، كل قرار نتخذه اليوم يمهد الطريق لقرارات أخرى في الغد، فالقرارات تتفرع كما تتفرع الطرق السريعة».

وعن القرارات التي يتخذها الشباب أو الفتيات وهي التي من دون شك تكون مصيرية وتغير طريقة إدارتهم لحياتهم، وتؤثر على مستقبلهم كله، إن تلك القرارات تحتاج إلى أن تكون لديهم الصورة الكاملة حولها، حول العواقب والآثار التي يترتب عليها اتخاذهم لتلك القرارات، حول ما سيكسبونه وما سيفقدونه جراء اختيار تخصص، أو الاتجاه نحو مجال علمي معين.

القرارات جزء من الحياة، يصعب أن تكون بين الخير المحض، والشر المحض، بل هي خليط من هذا وذاك، غير أن سنّ الشباب والفتوة تجعل الإنسان مندفعاً نحو خيارات صائبة تماما، وهذا مستحيل التحقيق في ظل سيرورة الحياة، فما نعتبره اليوم جيداً يكون غداً سيئاً، والدهر يتقلّب، فحين جاءت الأزمة المالية العالمية تحول بعض المديرين إلى عاطلين، فقرارهم كان في فترةٍ ما مفيداً لهم، لكنه انقلب عليهم... وهذه هي الحياة.

حين يريد الإنسان أن يتخذ خياراً أو قراراً عليه أن يضع في نفسه أن الصواب الذي يتضمنه القرار نسبي، وليس صائباً على الإطلاق، وأن يتمتع بحس كبير لإدراك مصلحته ومستقبله، وفق الله الشباب جميعاً.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة