حدثٌ مر مرور الكرام على الساحة العالمية بالرغم من أهميته ومدلولاته على ما يحدث من توتر في الشرق الأوسط، ألا وهو رفض الأغلبية في وكالة الطاقة الذرية الدولية مشروع قرار عربي يدعو إسرائيل إلى التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، وقد رفض القرار بسبب ضغوط أميركية وأوروبية بعد الموافقة عليه في العام الماضي.

Ad

 

ويكشف هذا التحرك الأميركي الأوروبي لرفض القرار مدى التناقض الفاضح في التعامل مع القضايا النووية ومنع السلاح النووي مما يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها، فأميركا والغرب أقاما الدنيا ولم يقعداها منذ عقد تقريبا بسبب برنامج إيران النووي الذي لم يثبت عليه حتى الآن أي استخدام لأغراض غير سلمية، بالرغم من عشرات زيارات التفتيش والبروتوكول الإضافي الذي وقعته، ومع ذلك تقوم الدول الغربية بالتهديد والوعيد، وفرض العقوبات الاقتصادية الواحدة تلو الأخرى لإرغام إيران على التنازل عن حق مكفول لها حسب القوانين الدولية، ألا وهو حق التخصيب على أراضيها، ويتم كل ذلك بحجة منع انتشار السلاح النووي والحفاظ على السلام العالمي وإخلاء المنطقة من هكذا سلاح.

 

لكن سبحان مغير الأحوال، فنفس هذه الدول هي التي صوتت وضغطت على دول أخرى، وحثتها على التصويت ضد مجرد دعوة غير ملزمة لإسرائيل للتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وفتح منشآتها النووية للتفتيش، مع أن العالم كله يعرف جيدا أن لدى إسرائيل أكثر من مئتي رأس نووي، وهو أمر لم تنكره الدولة العبرية المارقة حتى الآن! إنه تناقض فاضح ومثال أوضح على الكيل بمكيالين، لكن العذر الجاهز دائما (وهو عذر أقبح من ذنب) بأن هذه الدول تريد إعطاء فرصة للمفاوضات الجارية لإحلال السلام في المنطقة! وهو عذر استخدمته هذه الدول أيضا عند تصويتها ضد الموافقة على تقرير القاضي اليهودي غولدستون بشأن جرائم إسرائيل الإرهابية في غزة، وكأن السلام المزعوم هو منّة تتفضل بها إسرائيل على المنطقة وتعتبر صك غفران لها يمحو جميع جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.

 

والعذر الأقبح الذي ساقه المندوب الأميركي لدى الوكالة لرفض دعوة إسرائيل للتوقيع على المعاهدة هو إعطاء فرصة لمؤتمر بحث مستقبل الشرق الأوسط كمنطقة خالية من السلاح النووي، والذي سيقام بعد سنتين (وضعوا خطا تحت «بعد سنتين»). فإن كانت المنطقة وهذه الدول الكبرى تستطيع الانتظار لسنيتن كاملتين لبحث برنامج إسرائيل النووي وسلاحها النووي كما يعتقد العالم، فلماذا لا تستطيع نفس هذه الدول انتظار إيران لنفس المدة دون التهديد بشن هجوم عسكري عليها أو بفرض العقوبات الاقتصادية، بالرغم من أن إيران موقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وتخضع للتفتيش الدوري للوكالة؟!

 

إن كل هذا الألاعيب المكشوفة والـ(مامبوجامبو) التي تقوم بها هذه الدول الغربية لدليل على أن الموضوع ليس بموضوع خوف هذه الدول على السلم العالمي، ولا حرصها على منع انتشار السلاح النووي لأنها هي بنفسها تملك ألوف الأسلحة النووية، بل الموضوع هو حماية إسرائيل أولا وأخيرا، إضافة إلى خلق أزمة ثقة بين دول المنطقة عبر محاولة إيهام الدول العربية بأن إيران (لا إسرائيل) هي عدوتهم وتشكل خطرا عليهم، ومن ثم تقوم الدول الغربية ببيع الأسلحة بالمليارات على هذه الدول لشفط عائدات النفط ومحاولة إنعاش الاقتصاد في الغرب، وآخر هذه الصفقات هو بيع دول الخليج أسلحة بقيمة 132 مليار دولار! إنها عملية «إدارة الأزمات» لا حلها كما يقول هنري كيسنجر، فاصحوا يا عرب.