إنني أؤمن بأن هذه الأدوات ( المظاهرات) يجب أن تكون الخطوة الأخيرة على السلم التصاعدي في التعاطي الشعبي مع أي حكومة، ولا أرى في واقعنا الكويتي في ظروفه وملابساته الحالية ما يستوجب القفز إلى هذه الخطوة الأخيرة، في حين لايزال هناك الكثير الكثير من الخطوات التي يمكن القيام بها قبل ذلك. أوضحت في أكثر من مقال، وفي أكثر من مرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، بأني مع الحق المطلق للتعبير عن الرأي من خلال التظاهر السلمي، بل بيّنت بلا تردد أني أؤمن بأنه حق يجب أن يكون مكفولاً للجميع هنا، من كويتيين وغيرهم، حتى إن كان القانون قد فرَّق في هذه الجزئية، بشكل يتعارض مع المنطق الإنساني في قناعتي، وأقول هذا لأني أؤمن بأن حق التعبير عن الرأي والمطالبة عبر التظاهر السلمي- وأشدد على كلمة السلمي- هو حق إنساني مطلق يجب ألا يكون به تفرقة على أساس الجنسية.

Ad

لهذا، فلم أكن، بحال من الأحوال، سأقف ضد حق من دعوا إلى التظاهرة المزمع عقدها اليوم في ساحة الصفاة، وهي التي جرت الدعوة إليها طوال الفترة الماضية عبر «تويتر» و»فيسبوك» وغيرها، للمطالبة بحل الحكومة وتغيير رئيسها ونهج عملها، بل على العكس من ذلك، أرى أن من حق الداعين لها أن يجتمعوا هناك ليعبروا عن رأيهم بكل حرية، وذلك طوال الوقت الذي يشاؤونه، طالما أنهم التزموا النهج السلمي، ولم يقدموا على أي عمل من شأنه أن يعكر الأمن ويعرقل مصالح الناس العاملين أو المارين في تلك المنطقة، بل إني أرى هذا مظهراً جميلاً من مظاهر الديمقراطية الحقيقية، التي يجب أن يصونها النظام ويحرص على حمايتها.

لكنني، وإن كنت قلت هذا، فلن أشارك شخصياً كمؤيد لهذه التظاهرة، وإن حضرت فسأحضر مرتدياً قبعة الإعلامي الذي يريد أن يرصد ما يجري لا أكثر، والسبب في عدم تأييدي للتظاهرة هو أني لا أجدها تقوم على مطالبات عملية محددة، بقدر ما تقوم على شعارات عامة لا يمكن بحال من الأحوال وضعها في محل التطبيق مباشرة استجابة لضغط تظاهرة أو مطالب جمهور محتشد، إنما هي أقرب إلى رسائل وعناوين عامة يمكن الاستناد إليها لفتح الباب للنقاش والتوجيه ومن ثم الاتفاق على آليات عمل للوصول إلى تحقيقها عبر جدول زمني معقول، والتظاهرات، والاحتشاد في الشارع، والثورات أيضاً، هي وسائل وأدوات في النهاية، وليست غايات في حد ذاتها، وليست خياراً وحيداً لابد من استخدامه لإيصال المطالب وتحقيقها، بل إنني أؤمن بأن هذه الأدوات يجب أن تكون الخطوة الأخيرة على السلم التصاعدي في التعاطي الشعبي مع أي حكومة، ولا أرى في واقعنا الكويتي في ظروفه وملابساته الحالية ما يستوجب القفز إلى هذه الخطوة الأخيرة، في حين لايزال هناك الكثير الكثير من الخطوات التي يمكن القيام بها قبل ذلك، والوصول من خلالها إلى ثمرات إصلاحية حقيقية، ناهيك عن أن القفز السريع إلى مثل هذه الخطوة، أعني خطوة التظاهرات والاحتشاد في الشارع، في غير توقيتها المناسب، قد يؤدي إلى حرق هذه الأداة وإفساد قيمتها وتأثيرها.

هذا هو رأيي بما سيجري اليوم، إن هو جرى ولعله لن يجري، وأسأل الله الخير والأمان لهذا البلد وأهله الطيبين.

وعلى كل حال، وكرسالة أخيرة، فالرجاء أن يحرص منظمو تظاهرة اليوم على ألا يخرجها أحد عن مسارها السلمي، خصوصاً أن الحشود ستحوي، بطبيعة الحال، الكثير من الشباب الصغار، ومن البسطاء في التقدير والحكم، ممن قد يسهل استفزازهم وجرهم إلى المصادمات، وقد يندس بينهم من يخلق المشاكل أو يشحن الأجواء، ربما بقصد وتعمد، لإيجاد المبررات لسلطات الأمن باتخاذ قرار بفض التظاهرة بأساليب شديدة، وهو ما لا أرجوه.