الشيطان ليس له ذيل وقرنان، إنه في الأغلب ذلك الجالس بجوارك يغني ويملأ الفضاء مرحاً! أو ربما ذلك الجالس على طاولة في زاوية المقهى، متشاغلا بقراءة الجريدة تارة، وتارة أخرى بتأمل السماء.

Ad

لو كان للشيطان ذيل وقرنان كما تصوره بعض الرسومات، لتجنّبه كثير منا ولم يقع في فخ غوايته ربما، انه من الذكاء بحيث لا يظهر عاريا أو يتبدى لك بوجهه الحقيقي، الأنقياء فقط يفعلون ذلك!

يشدّك ذلك الشخص الهادئ، الرزين، الذي تبدو على ملامحه الحكمة، وعلى محياه بعض خطوط تركها الزمن كشهادة على خبرة في الحياة كفيلة بأن يستعان بها، فيغريك ذلك بالاقتراب للنهل من ذلك المعين، وتسلّم له مفاتيح قلبك طائعا مستسلما، وتشرّع له أبواب روحك، وغالبا ما يتمنّع هو، فتصرّ أنت أكثر، فيتمنّع أكثر، مبديا أسبابا واهنة عمدا، ليسهل عليك تفنيدها فرحا بقوة حجتك، وتحت وطأة إصرارك يبدي القبول متظاهرا بالامتعاض، حينها فقط يتأكد أنه أوثق رباطك، وأنه لا مفر لك، وحينها فقط يظهر لك الذيل والقرنان والعصا الطويلة تلك التي على هيئة شوكة!

يخرج الشيطان من بيته كل صباح باحثا عن عمل له في الشوارع، والمقاهي، ومكاتب الموظفين، وعلى شواطئ البحر، ومحطات انتظار الحافلات والقطارات، ويحجز مقعدا له في صالات الانتظار في المطارات، ويطرق أبواب البيوت، وأبواب القلوب، بل انه شوهد كثيرا على عتبات دور العبادة متظاهرا بالتسبيح، على هيئة شيخ ضرير، أو فتاة فاتنة الجمال تبحث عمّن يغيثها في محنتها!

الشيطان وحده الذي لا يوجد اسمه في كشوف البطالة، فهو قادر على العمل وإيجاد قوت يومه دائما، وهو عامل مجتهد نشيط، يبذل جهدا حثيثا، وعملا دؤوبا لغواية الأبرياء،

يعرف حاجاتهم فيتقن جيدا كيفية العزف على أوتارها، فيطربون، يقرأ ما في نفوسهم، فيتلاعب بهم كيفما يشاء،

ربما تطرده بعض التعاويذ مؤقتا، وبعض الأدعية، وبعض آيات من الإيمان، إلا أنه لا ييأس سريعا، فتراه يعاود الكرة مرة تلو أخرى، يجرّب حظه كثيرا، يعيد «مكيجة» وجهه، ويطيل شعره إن كان قصيرا في المرة السابقة، ويغيّر جنسه إذا اقتضى الأمر، ويبدّل طباعه... لن تعوزه الوسائل، ولن تنقصه الحيل.

انتبه من تلك الفتاة «المغناج» التي تمشي بدلال مثيرة عشب الرغبات، انتبهي من ذلك الرجل الوسيم الممتلئ رجولة طاغية تفوح رائحتها من عطره، وبعض الشعيرات على صدره، حاذروا الغرباء أيّا كانوا، النادل أو النادلة، سائق الأجرة، الدليل السياحي، البائع في المحلات التجارية... إلخ

والحذر الحذر من رجال السياسة، ورجال المال!

الشيطان قادر على التشكل بصورة أي من هؤلاء،

فقط الأطفال يصعب على الشيطان (ولا أقول يستحيل) الاقتراب من براءتهم، غالبا ما يكون الأطفال في منأى عن قدرته على التشكّل، هم وحدهم البعيدون نسبيا عن متناول شوكته، لا يجرؤ الشيطان على تشويه بسمتهم، ولثغة حروفهم!

ما عدا هؤلاء فيجب توخي الحرص والحذر منهم،

يجب أخذ بصمات نواياهم قبل أن ندخلهم قلوبنا، والتأكد من هويتهم الشخصية، وفحص بؤبؤ عيونهم بالأشعة إن لزم الأمر.

وللعلم إن أشد الصور التي يتّخذها الشيطان إيلاما صورتان:

الحبيب، والصديق!