اللهمَّ احْمِ مصر!

نشر في 29-09-2010
آخر تحديث 29-09-2010 | 00:01
 صالح القلاب ما يجري في مصر من تراشق بين المسلمين والأقباط ليس محزناً فقط بل هو مرعب أيضاً، إذْ إن هذا التآخي على ضفتي النيل الذي أنجب حضارة مشتركة عمرها قرابة ألف وخمسمئة عام بات يهتز اهتزازاً شديداً يستدعي استنفاراً سريعاً من قبل العقلاء ومن قبل الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، لتدارك الأمور قبل أن تقع الواقعة ويصبح الندم غير مفيد، وبمنزلة بكاء على الأطلال الدارسة.

إنه أمر يوجع القلب ويجرح المشاعر، وإذا كان بالإمكان احتمال هذا التباغض الخطير الذي يغرق فيه لبنان ويغرق فيه العراق ودولٌ عربية أُخرى فإن هدم التعايش في مصر أخطر كثيراً من هدم أهراماتها، فمصر هي جدار الأمة العربية التاريخي الصامد واهتزاز معادلة التعايش الديني فيها أخطر كثيراً من انهيار سد أسوان وخروج نهر النيل عن مجراه الذي بقي يتدفق عبره منذ بداية التاريخ.

كلُّنا تعلمنا أن الأنبا شنودة، وطنيٌّ مصري كبير، وأنه مقاتل باسل من أجل القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين وأنه بادر بعد احتلال عام 1967 إلى منع رعايا كنيسته الأقباط من زيارة القدس المحتلة للحج إلى كنيستي المهد والقيامة كموقف من التطبيع مع إسرائيل، ومع ذلك فإن المؤسف حقّاً أننا سمعنا خلال الأيام الماضية، التي تفجرت فيها العواطف البدائية في مصر التي كانت دائماً وأبداً سلسة وهادئة ومنسابة انسياباً جميلاً كنيلها، كلاماً لا يجوز أن يقال ضد هذا الرجل صاحب المواقف المشرفة والشجاعة وخصوصاً من قبل مفكر إسلامي كبير كالأستاذ محمد عمارة.

وهنا فإن مَنْ سمعَ كلام الأنبا شنودة، الذي نقلته الـ"بي. بي. سي" البريطانية عن التلفزيون المصري الذي اعتذر فيه للمسلمين الذين وصفهم كالعادة بـ"الأخوة"، عن كلامٍ منسوب إلى أحد رجال الكنيسة القبطية لا بد أنه لمس كم أنَّ هذا التراشق الطائفي خطير ومرعب وموجع للقلب.

في فترة سابقة تعود إلى ستينيات القرن الماضي قرأنا وسمعنا أن إسرائيل، حتى تبرر وجودها كدولة دينية يهودية في الشرق الأوسط، وضعت خطة لتمزيق هذه المنطقة على أساس طائفي لتُقيم بعد ذلك "كومنولثاً" مذهبياً تحتل فيه الموقع الذي تحتله بريطانيا في "الكومُنولث" البريطاني، وحقيقة إن من يرى هذا الذي يجري في لبنان وفي العراق وفي اليمن وفي السودان وأيضاً في دولٍ عربية أخرى لا تزال مصائبها لم تتفجر، وهي تشبه الجمر المتأجج الكامن تحت الرماد، لابد أن يستنتج أن الخطة الإسرائيلية قد بدأت تحقق النجاحات التي وُضعت من أجلها، وهنا فإن مصيبة المصائب ستحل حتماً إذا لم يوضع حدٌّ وبسرعة لهذا الذي يجري في مصر... واللهم احْمِ مصر!

back to top