المستفيد الأول من تغييب أسامة بن لادن هو الرئيس الأميركي باراك أوباما فهو بهذه الضربة, التي كان سلفه جورج بوش (الابن) يتمنى لو أنها تمت في عهده, عزز مكانته ولمَّع صورته التي بدأت تصبح شاحبة وبلا جاذبية مقارنة بما كانت عليه عشية الانتخابات الرئاسية وخلالها, وعزز أيضاً ثقته بنفسه وثقة قطاعات واسعة من الأميركيين به، وهذا كله, إن لم يحدث ما يغير ويقلب المعادلات, سيجعل بقاءه في البيت لأربع سنوات جديدة مضموناً، وبمنزلة تحصيل حاصل.
إن هذا مهم جداً، لكن الأهم منه هو ما إذا كان التخلص من بن لادن سيخلص العالم, ولو شيئاً فشيئاً وخطوة بعد خطوة, من ظاهرة الإرهاب كلها، أو على الأقل من جزءٍ رئيسي منها، وبخاصة في المنطقة العربية التي رغم كل هذا الذي حصل، والذي لا يزال يحصل فيها، ستبقى مرشحة لمزيد من سطوة الظاهرة الإرهابية...؟!قبل بن لادن كان هناك إرهابيون من وزن ثقيل وأذرعهم طويلة ولديهم إمكانات هائلة، وكانوا بمنزلة بنادق للإيجار ويعْرِضون خدماتهم القذرة على كل من يدفع أكثر، ومن بين هؤلاء كارلوس, المعتقل الآن في فرنسا بعد إلقاء القبض عليه في الخرطوم ونقله إلى باريس في عملية استخبارية شاركت فيها أكثر من دولة, وصبري البنا (أبو نضال) الذي تنقل بين عدد من العواصم العربية قبل أن يعود إلى بغداد, التي لمع نجمه فيها في بدايات سبعينيات القرن الماضي, لتتمَّ تصفيته عشية احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين في عام 2003.لكن ما يميز بن لادن عن هؤلاء جميعاً وعن غيرهم في عالم الإرهاب هو أنه انطلق من أفغانستان بعد «جهاد» لحساب المخابرات الأميركية ضد الاحتلال العسكري السوفياتي «الشيوعي» لهذه الدولة الإسلامية، وهو أنه خلال هذا «الجهاد» تمكن من إقامة شبكة عالمية غطت معظم الدول العربية والدول الإسلامية والولايات المتحدة وأوروبا، وفوق هذا وضعت جميع إمكانات دولة طالبان وعلى رأسها الملا عمر تحت تصرفه، بما فيها عوائد المخدرات التي تقدر بمئات ملايين الدولارات وأكثر.ولهذا، فإن بن لادن الذي أنشأ «القاعدة» على فكرة الجهاد في سبيل الله ضد الاستكبار العالمي وضد العرب والمسلمين المتحالفين معه وضد «الصليبيين» و»اليهود» قد وجد أرضاً خصبة هي العداء للولايات المتحدة والغرب بصورة عامة، وعلى أساس أن هؤلاء جميعاً يستهدفون الإسلام ويريدون القضاء عليه، وهذا جعل الكثيرين وبخاصة الشباب المحبطون، يُقبِلون على دعوته ويلتحقوق بتنظيمه بأعداد كبيرة، وقد شمل هذا المنطقة العربية كلها من الجزائر والمغرب إلى دول الخليج العربية إلى بلاد الشام كلها، وفوقها كل الدول الإسلامية.والآن، وقد سقط «القائد» الرمز والعقل المدبر فإن السؤال هو: هل يا ترى ستلتحق «القاعدة» بمؤسسها وستنتهي كما انتهت حركات وتنظيمات إرهابية دولية مثل: الألوية الحمراء والتوباماروس وبادرماينهوف والجيش الأحمر الياباني، أم أنها ستنطلق انطلاقة جديدة وتزداد عنفاً وشراسة...؟!إن بن لادن ليس هو وحده الذي يسير «القاعدة»، ويشرف على عملياتها ويضع خططها ويوفر تمويلها، فهناك الظواهري وهناك عدد آخر من القادة الميدانيين، ثم هناك التنظيمات التي التحقت بـ»بالقاعدة» عبر المواقع الإلكترونية، وهذا يعني أنه لا بد من توقع العديد من العمليات الإرهابية الثأرية الصاخبة، لكن هذا لا يعني انتهاء هذه الظاهرة وهذا التنظيم بالسرعة التي يتوقعها البعض، فهناك خلايا كثيرة ستبقى تعمل بهذا الاسم، وستبقى تنظم وتنتشر على أساس أنها تشكل استمراراً للظاهرة الـ»بن لادنية».
مقالات
ما بعد بن لادن!
04-05-2011