عندما نتكلم عن الصورة نعني بها كلاً من السينما والتلفزيون والكاميرا والبورتريه، الكاريكتير، الفيديو والصورة الشعرية أي الصورة المرسومة بالكلمات، ولكل منها أهميتها ومعناها وأثرها الإيجابي وتأثيرها على المشاهد.

Ad

ولعل أغلبية الناس قد مارست عملية التصوير بكل أشكالها وأنواعها من كاميرا وفيديو وسينما، واحتفظوا بذكريات حياتهم مسجلة ومطبوعة ضمن صور وشرائط أفلام تعني لهم الكثير، وتعطي معنى وقيمة للصورة.

وبما أنني قد مارست الرسم وكذلك التصوير بالكاميرا، أحسست وأدركت الفارق الكبير ما بين الرسم بالألوان الزيتية والرسم بالكلمات والتصوير بالكاميرا التي أعتبرها من أهم أدوات التعبير بالصورة، إذ إنها تملك القدرة الفائقة في قنص اللحظات المارقة من الحياة المعيشة على عجل، تلك اللحظات الفالتة من حبال الاهتمام والوعي بها، نجد أن عدسة الكاميرا لها القدرة الخارقة على اقتناص نبض كل لحظة من الحياة وحبسها إلى الأبد في صورة قد تحمل لحظة سعادة أو حزن ووحدة أو احتفالية فرح أو ذاكرة عابرة تخلد فيها حتى وإن فني كل من فيها، وهذه هي القيمة الفذة التي تحملها الصورة.

أما الرسم... فالصورة فيه عبارة عن ترجمة لإدراك ما تراه عين الفنان من الخارج، أو ما يشعر به وما يحسه منعكسا عليه من الخارج، أي أن تأثيره كان ترجمة لما انعكس على وعيه وأثر على إحساس الفنان فيه.

أما في حالة التصوير في الكلمات أي الصورة الشعرية، فهي عبارة عن انعكاس آتٍ من داخل الكاتب، من أعماقه وأحاسيسه الخاصة به، أي أنه يرسم بالكلمات الصورة الملتقطة من داخله، من أعماق وجدانه.

وقد لا يكون لهذه الصور أي حياة لها في الخارج أي أنه ليس لها أي وجود كان، وليست إلا صورا أتت من مخيلة كاتبها.

وأحيانا يكون التعبير عن الصورة آتيا من الخارج مثل البيت الشعري الذي يصف فيه «امرؤ القيس» حركة الحصان: مكر مفر مقبل مدبر معا... كجلمود صخر حطه السيل من عل.

هنا التعبير تجاوز الصورة الشعرية أي الصورة المنحوتة بالكلمات، الصورة هنا سينمائية متحركة وحاملة كل حركات جسد الحصان المقبل علينا في حركة مشهديه حقيقية.

وفي رأيي أن الصورة الشعرية أي المكتوبة بالكلمات هي من أقوى أشكال التعبير الصوري، فمثلا لنفترض أن هناك امرأة جالسة تبكي، سنجد أن الكاميرا الفوتوغرافية ستظهر لنا صورتها وهي تبكي وستصيد لحظة حزنها زائد وقت الصورة إن كان نهارا أو ليلا.

أما السينما فسوف ترينا حزن المرأة ودرجة صوت بكائها، وشكل المكان والزمان أي الوقت، لكننا لن نتمكن من معرفة درجة الحزن ومداه، وأسبابه، ومذاق الدموع ودرجة حرقتها على وجنة المرأة، وإن كان قد صاحبها ارتفاع في درجة الحرارة أو ازدياد في ضربات القلب أو في انخفاضها، كل حالاتها النفسية المصاحبة للبكاء لن نعرفها ما لم يوجد شخص آخر يدور معه حوار، ومن هنا تأتي قوة الصورة الشعرية لأنها بمفردها ومن دون أي مساعدات خارجية تستطيع التقاط الصورة حالها حال الكاميرا، وتستطيع نقل وتصوير حركة الحياة فيها مثل السينما واصطياد الوقت والزمان والمكان، بالإضافة إلى التقاط كل الأحاسيس الداخلية السرية التي لا تستطيع لا الكاميرا الفوتوغرافية، ولا السينمائية التقاطها مثل كل تلك الأحاسيس الباطنية الخاصة والمقصية في خصوصيتها وسريتها والبعيدة عن مرمى أي عدسة كانت، ماعدا عدسة التعبير في الكلام، فهي وحدها وبمفرد سلطتها قادرة على الإتيان بها، مثل درجة حرارة الجسد ومدى الإحساس بالخفة أو بالثقل، أو مقدار حرقة الدموع ودرجة ملوحتها، أو أن هذه الضحكة صادرة من أعماق القلب أو هي مجرد رسم على الشفايف... الخ

التعبير في الصورة الشعرية وخاصة في المونولوج الروائي يستطيع أن ينقل ويعكس صورا حسية كاملة في أبعادها وأقوى في تعبيرها من كل الكاميرات السينمائية والتلفزيونية والديجيتال والرقمية.

التعبير الناتج من التصوير والنحت في الكلمة أقوى من جميع وسائل التعبير الأخرى وأكثرها عمقا وصدقا وحميميه.