امتازت مدينة الأحمدي منذ نشأتها بطابعها الإنكليزي المميز، فبمجرد دخولك إلى تلك المنطقة تشعر بأنك في إحدى مدن بريطانيا (مدينة الضباب)، فالبرغم من قسوة الطقس في بلادنا تتمتع الأحمدي بمنظر نقي وجذاب، فالبيئة الزراعية فيها خدمت المنطقة كثيراً ومنحتها هذا الطابع الأوروبي الجميل، من شمال الأحمدي بدأت رحلتنا، استوقفتنا "بيوت الشركة”، كما يطلق عليها سكانها وأهل الكويت قديماً، فمن اللافت تنظيم ونظافة هذه المنازل ورقيها، التي بدورها ازدانت بقراميد حمراء وأسوار مصنوعة من "البردي” بتصميم أوروبي بحت حرص على هندستها مهندسون بريطانيون مع بداية تأسيس شركة نفط الكويت.

آثرنا التجوال في المدينة الساحرة مذهولين بتنظيمها اللافت الذي لطالما تمنينا ان تحظى به جميع مناطق الكويت ومحافظاتها دون استثناء، فشوارع الأحمدي منظمة إلى ابعد الحدود، فعلى الرغم من تعدد جنسيات قاطنيها لكن هناك احتراما للقوانين الذي ما زلنا نفتقره في اغلب مناطقنا سواء "الداخلية او الخارجية”، كما يحلو للبعض تسميتها، اضافة إلى تنظيم نقاط التقاطع والدوارات، فقد وجدنا ان التركيز عليها في تنظيم حركة المرور مجد. ومن الجدير الإشارة إلى ان جميع قاطني شمال الأحمدي وروادها حريصون على اعطاء الأولوية لمن يستحقها، وكأن رجال شرطة المرور الخاصين بالمنطقة ما زالوا يقفون هناك لتأدية واجبهم منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا.

Ad

مراكز وأندية

استمرت جولتنا ما يقارب الساعة، فمنظر الحدائق المسورة بألواح الخشب والبردي "يشرح النفس”، ويجعل من تلك المدينة ملاذاً لكل من يبحث عن الراحة والهدوء بعيداً عن صخب المدينة، فقد تفنن سكان الأحمدي في تنسيق الحدائق الخاصة بمنازلهم بشكل لافت يستحق الإشادة والتقدير، فلولا حب هؤلاء وولاؤهم لهذه المدينة لما وجدنا هذا الاهتمام والتنافس على اظهارها في ازهى حلة على مدار العام.

انتقلنا إلى الطريق المؤدية للشوارع الخارجية للبحث عن المرافق الخاصة بالمدينة، ودهشنا مما شاهدناه من تطور معماري وثقافي وترفيهي، فمن الجدير ذكره ان مدينة الأحمدي تشتهر بحدائقها العامة، إضافة إلى مجموعة حدائق اخرى انشئت بين المنازل بغرض ترفيه ابناء المنطقة، وهي مزودة بمراجيح والعاب خاصة بالأطفال دأب اطفال الأحمدي على ارتيادها جيلاً بعد جيل، كما ان هنالك اندية رياضية جذابة لفتت انتباهنا، ومنها نادي اطلق عليه نادي الحبارى وهو مزود بملاعب "هوكي” و”إسكواش” و”كركيت” وحمام سباحة، وقد علمنا ان سكان الأحمدي كانوا حريصين على ممارسة الرياضات بمختلف انواعها، فالتأثير الأوروبي كان له الدور الأبرز في رواجها منذ ما يقارب السبعين عاماً، فقد اشتهرت المدينة بمركز الغولف وسباق العربات، والرماية على الأطباق الطائرة، إضافة إلى العديد من الأندية منها نادي الاتحاد واستاد الأحمدي ونادي الشباب الرياضي ومركز الأحمدي الصحي.

دار الضيافة

وفي ما يخص المرافق الثقافية، تضم الأحمدي معارض ومكتبات عامة ودارا للسينما، وهي "سينما الأحمدي” التي بدورها انشئت في الستينيات، وكانت تعرض مجموعة من الأفلام العربية والأجنبية والهندية، إضافة إلى مجموعة مسارح عرض على خشبتها اشهر المسرحيات من سورية ولبنان ومصر واشهرها مسرحية "العيال كبرت” في عام 1974.

إضافة إلى مرافق أخرى منها دار الضيافة "الغست هاوس”، وهو من اهم مرافق المدينة الذي اعتاد استقبال الضيوف منذ إنشائه، ودار ضيافة الحكومة والمكاتب الرئيسية لشركة نفط الكويت ومركز للبريد ومقر للمختار ومخفر للشرطة وقيادة منطقة الأحمدي، كما ان هناك مركز إطفاء ومقسما للهاتف ومركزا للبلدية والطوارئ الخاص بالكهرباء والماء.

 سوق الأحمدي

وفي نهاية جولتنا حرصنا على زيارة سوق الأحمدي في شرق المدينة، وهو أحد المعالم التراثية المهمة في الكويت، فقد تأسس في عهد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، وذلك في عام 1951، ومر على بناء هذا السوق ما يقارب الستين عاما، لكنه وللأسف يواجه خطر الإزالة ويصارع للبقاء، فهل من مغيث؟! فقد علمنا من اصحاب المحلات في السوق أنهم أُخطروا بأن الوزارة ستقوم بقطع التيار الكهربائي والماء عنهم كي يتركوا السوق، قانون مجحف بحق هؤلاء التجار والمستأجرين، فقد مضى ما يقارب الستين عاماً على إنشاء السوق، وهذا ما يشمله قانون الكويت للآثار حسب المادة 3 من القانون، لكن على ما يبدو هنالك عدم تقدير لقيمة هذه الآثار من قبل "كبارية البلد”، فقد دأبوا للأسف على محو كل معلم تراثي جميل يحمل بين طياته عبق الماضي، ودعنا السوق وقد اعترتنا حينها غصة مريرة متسائلين: "من المستفيد الحقيقي من إزالته؟!”.

خياماً منصوبة و أكواخ في بداية نشأة الأحمدي

لاعتبارات جغرافية بحتة تم الاستغناء عن مركز عمليات الشركة في "المقوع”، وتقع المقوع شمال الأحمدي ببضعة كيلومترات، وقد اتخذتها شركة نفط الكويت مركزاً لعملياتها لوجود منطقة "ملح” التي تتوافر فيها آبار المياه العذبة الى الجنوب الغربي منها. كما ان المقوع تتوسط المسافة بين مدينة الكويت حيث مكاتب الادارة وبرقان حيث العمليات، وكان مرشحاً للمقوع ان تكون هي مدينة الأحمدي لولا الاعتبارات الجغرافية التي أشرنا اليها. فقد ارتبط اختيار موقع مدينة الأحمدي بموقع الميناء الذي سيحمل اسمها، فبعد ان وقع الاختيار على نقطة بين قريتي الفحيحيل والشعيبة تكون نهاية لخط الأنابيب الواصل بين حظيرة الخزانات وبين ساحل الخليج العربي تقرر اختيار الموقع المناسب لبناء المدينة الجديدة مدينة الأحمدي.

فما يميز هذه المنطقة أنها من جهة البحر تقع عند نهاية قناة طبيعية في قاع الخليج فهي تصلح لحركة الناقلات بكل حمولاتها وما يميزها من جهة اليابسة ان بينها وبين حقل برقان يقوم "الظهر” الذي يرتفع بدوره إلى400 قدم عن سطح البحر فعلى هذا المرتفع أنشئت أول الصهاريج في حظيرة الخزانات حيث تتلقى النفط من حقوله عن طريق الضخ وترسله الى الناقلات في الميناء متدفقاً بالجاذبية الطبيعية. ويمكن أن يكون الظهر ساتراً طبيعياً لمدينة تقام في سفحه الشرقي المواجه للخليج فيخفف عنها الرياح السافية ويساعد في تنظيم تصريف المياه والمجاري الصحية ومسارب مياه الأمطار بيسر وسهولة.

وهكذا كانت بداية مدينة الأحمدي خياماً منصوبة في كل مكان بلغ عددها وقتذاك (500) خيمة، بالاضافة الى الأكواخ المنصوبة من اللبن والصفيح مع بعض الأكواخ الجاهزة التي كانت تحمل اسماء آركن ونسن وكالو وتحمل العاملون في الشركة كل الصعوبات الناشئة عن هذه المساكن المؤقتة. هذا وقد استخدمت الشركة اسطولاً من خمس ناقلات لجلب مياه الشرب من شط العرب وقامت بتعبيد الطريق للمرة الأولى من الشويخ الى المقوع فالأحمدي فبرقان. وبدأت تظهر بعض المصانع المحدودة لعمل الثلج واعداد الخبز وحفظ الأطعمة وغسل الملابس لخدمة العاملين بالشركة.

قانون الآثار

مرسوم أميري رقم 1 لسنة 1960 الفصل الأول من قانون الآثار (أحكام عامة)

مادة 1

تحافظ الكويت داخل حدودها، ووفقاً لأحكام هذا القانون، على الآثار القائمة فيها، وذلك صيانة لتراثها الثقافي الذي تركته عصور ماضيها المتعاقبة، كما تحترم آثار الشعوب العربية والأمم الأخرى خارج حدودها، وفقاً لأحكام الاتفاقيات والمعاهدات التي تعقدها.

مادة 2

تناط مهمة المحافظة على الآثار بإدارة المعارف، ويعود إلى هذه الإدارة وحدها مسؤولية تقدير الصفة الأثرية والتاريخية للأشياء والمواقع والمباني، والحكم بأهمية كل أثر، وتقرير الآثار الواجب تسجيلها، لحمايتها وصيانتها ودراستها والانتفاع بها .

مادة 3

كل ما صنعه الإنسان أو انتجه أو شيده خلال وقبل اربعين سنة ميلادية، يعتبر من الآثار الواجب دراستها وتسجيلها، وصيانة ما يجب صيانته منها.