مسكين هذا المواطن العربي، يريدون منه أن «يكوّن نفسه»، ويجاهد في حياته، ويؤسس بيتا، ويرعى أسرة، ويبحث عن وظيفة، ويتغرب في بلدان الرفاه... ومع كل ذلك مطلوب منه أن يثور ويغير... كم هو مسكين هذا العربي!
أول العمود: أظهر لمن يحيطون بك أنك تحبهم... فالحب هو الأمل الوحيد الذي بسببه نستطعم الحياة.***ما وجه العلاقة في أن يحرق مواطنون عرب أنفسهم، مع ما تضمنه «تقرير التنمية الإنسانية العربية» السنوي من أرقام ومعلومات؟ أتمنى من القارئ أن يطلع على الأرقام الكارثية المضمَّنة في التقرير، والتي تحمل أسبابا تقتل المواطن العربي يوميا، التقرير يتحدث عن الحريات وتآكلها، نعم، ولكنه يستفيض بالأرقام المخيفة عن أبسط مقومات الحياة... الطعام!! منظمة «الفاو» أطلقت إحصاءات في نوفمبر 2009 تقول فيها إن 100 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، و40 مليون آخرين تهددهم المجاعة! كل هذا في بلدان الأنهار والزراعة والحديد والمعادن.يلاحظ، وبمناسبة الثورات الشعبية في بعض البلدان العربية التي تشي بمناقب المواطن العربي: صبور جدا، خانع، جائع، مهمش، يلاحظ اختلاط مطلبين للمتظاهرين: الجوع والسياسة، لكن الأول حرك الثاني.من المتناقضات الظاهرة فيما يجري في بعض العواصم العربية أن نتحدث عن الديمقراطية؛ في ظل الجوع والمرض والأمية وتهميش ملايين الشباب العربي، وإلهائهم بالأنماط الاستهلاكية ومسابقات الغناء وكرة القدم. صحيح أن الديمقراطية والإصلاحات السياسية تأتي بالخبز، إلا أن الوضع في معظم الدول العربية مريض ومتخم ويتطلب ليس تغيير رؤساء فقط بل أنظمة سياسية وإدارية، وأنماط اقتصادية، وتنمية تطول الجميع من فئات الشعب.تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 يوضح أن الصرف على التعليم فتات خبز بموازاة الصرف على المنظومات الأمنية والعسكرية، فالتعليم مهمش، والأمية متفشية، والفقر والفقراء العرب في ازدياد... هذه المظاهر المرضية تنتج ثورات قوية لكنها غير منظمة ولا تعي ما تريد من مطالب إصلاحية واضحة ومحددة.ليس من المنطقي أن يكون اشتغال الشباب بالسياسة طبيعيا إن كانوا يكدون لسنوات من أجل تجهيز لوازم الزواج؛ كما هو جار في الكثير من البلدان كمصر واليمن والجزائر وسورية، وحتى في بعض دول الخليج التي لم تستطع القضاء على جزر الفقر فيها. أشفق على مواطن عربي يقضي أكثر من نصف عمره هكذا: يولد في مستشفى بائس وغير نظيف، ويترعرع في ظل العوز ونقص في الطعام والرعاية الصحية؛ فيحمل أمراضا وهو في شبابه، وحينما يبلغ يواجه مجتمعاً تحركة أنماط الاستهلاك الحسي، وتكون قائمة المحرمات في حياته أكثر مما هو حلال نتيجة الفتاوى الدينية، يكره الاطلاع والقراءة والتعرف على الغير، وتتضخم مع نموه ميزة كونه مسلماً سيدخل الجنة لا محالة، وعندما يتعرف على عالم المرأة ويستشعر وجود الجنس الآخر ويقرر الزواج يجد نفسه على الحصيرة، فتبدأ المعاناة التي قد تنتهي إلى انتهاج سلوك التشدد الاجتماعي والديني الذي يستبيح نفي الآخر وقتله كما يحدث في أعياد غير المسلمين في بلداننا العربية... مسكين هذا المواطن العربي، يريدون منه أن «يكوّن نفسه»، ويجاهد في حياته، ويؤسس بيتا، ويرعى أسرة، ويبحث عن وظيفة، ويتغرب في بلدان الرفاه... ومع كل ذلك مطلوب منه أن يثور ويغير.كم هو مسكين هذا العربي! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
لا يأكلون كما يشتهون
05-02-2011