النسيان ليس هو دائما عقاب لمن ننساهم، أحيانا يصبح النسيان عقابا مُرّا لنا!!

Ad

النسيان يسرق منا أجمل ما فينا

وأجمل ما في سنيننا...

الأكثر فظاعة... أنه لا يسرق ذلك سرقة، بل نحن من يقدّم له ذلك طواعية!

نجمع كل مجوهرات العمر، ومناديله الحريرية، ونجومه الفضية، وأقماره المكتملة، وشموسه الدافئة، وشواطئه الذهبية، ونخيله الباسقة، ومراكبه الشراعية الصغيرة التي أخذتنا في جداول الدهشة، وعبرت بنا إلى جزر الأحلام

نجمع كل ذلك ونلفّه في قطعة قماش بالية مهترئة ونسلمها للنسيان، متضرعين له، آملين منه قبولها مع كثير من الشكر والامتنان للمعروف الذي يسديه لنا إذا قبل!!

رسائلنا التي طرزناها بأجمل كلماتنا،

أغانينا التي لوّناها بأعذب أحاسيسنا،

آهاتنا التي جدّلناها بأصدق مشاعرنا،

لحظاتنا التي لطالما حلمنا بها

والمواعيد التي أنبتت في أيدينا ثمرا لازال سكّره عالقا في شفاه قلوبنا،

كل ذلك نصنع منه عجينة ليضعها النسيان في فرن قسوته، ويأكلها خبزا طازجا في صباحاته المعتمة ويغمّسه في مرارة فقدنا ليصبح مذاقه أحلى!

نفعل ذلك ظنا منا أننا ننتقم لأنفسنا،

أو أننا نضمّد جرح كبريائنا،

أو أننا نغلق النوافذ والثقوب التي ربما يتسلل منها شيطان الحنين،

نظن أننا حين نفعل ذلك إنما نبدأ العمر من جديد، بصفحة بيضاء لم يمسها حرف، ولم يخذلها فرح،

وبقلب نقي، بريء، لم يعبُر به الحب بحرا، ولم يذرف عليه السهد حبرا،

نتناسى أن العمر كتاب متسلسل الصفحات، وكل صفحة موسومة برقم، وبختم سري لكشف تزويرها،

ليس من السهل أبدا تمزيق صفحة من هذا الكتاب أو حرقها، أو التظاهر بأنها لم تكن،

سوف ينكشف ذلك من تسلسل الأرقام، ومن سياق السرد، والأصعب أن الصفحة التي نحرقها دائما ما تتكون مرة أخرى، وتُبعث حية من بين الرماد كطائر الفينيق، لتعود إلى مكانها بين الصفحات!

ولأن حرق صفحة من كتاب العمر، أو حتى مسح سطر منه، أو تعديله تبدو محاولة عقيمة وغير مأمونة العواقب، نقوم بمحاولة أخرى تبدو لنا أنها أكثر ذكاءً... نجمع تلك الصفحات ونفر بها إلى أقرب مخيم للنسيان لنودعها أسيرة فيه، ونتمنى أن يدوم أسرها هناك إلى الأبد،

نجثو على ركبتينا أمام حارس ذلك المخيم ليقبل ذلك الأسير، نحلف أغلظ الإيمان أننا لن نسأل عنه ما حيينا، ونتعهد له بأننا لن نلاحقه قضائيا، ولن نتهمه بسوء معاملة أسراه، ولن نسأله مهما فعل بهذا الأسير يوم الدين، وأن عفونا عنه سابق لفعله...

فقط كل ما نرجوه أن يزيل عن كاهل عواطفنا ذلك الأسير الذي أنهكنا حمله!!

لنعود خفافا...

مرتاحو الضمير...

لا يكدر صفو حياتنا أغنيات حنين، ولا قصائد شوق

ونشاهد ضوء القمر بقلوب بلهاء، لا يضيرها ان غاب القمر أو ظهر

ونمضي في شوارع الحياة كالدراويش

وحين يحدث ذلك، قد لا نعي غالبا أننا تخلصنا للتو من أجمل العمر، مع علمنا بأن كل لحظة بالعمر لا تُستعاض!

المبكي أننا نعتقد أحيانا إنما نفعل ذلك عقابا لشخص ما!!!!

غير مدركين أن العقاب لن يطول... سوانا!