دعونا ننتظر ماذا سيحدث في العراق؟
في هذا المقال لن أتحدث عن المزيد مما يحصل في العراق، حتى لا أستبق الأحداث، علماً أن كل ذي بصر وبصيرة يرى أن الخارطة السياسية العراقية للسنوات الخمس القادمة، قد تمَّ رسمها في طهران، وتمت عليها بعض الإضافات من واشنطن وبرضا ومباركة إيرانية. ويبدو أن طهران وواشنطن مختلفتان في كل شيء، وعلى كل شيء، ما عدا مستقبل العراق في السنوات الخمس القادمة!
- 1 -
معظم المعلقين والمحللين حذرون، مما حصل في جلسة مجلس النواب العراقي (الخميس 12/11/2010) من انتخاب لرئيس الجمهورية ورئيس لمجلس النواب، وتكليف المالكي- وهو تحصيل حاصل ونتيجة متوقعة لإعادة انتخاب طالباني، من خلال تركيبة سياسية، كيميائية، إيرانية، أميركية، كردية– بتشكيل الحكومة (كان وجوب تكليف المالكي بتشكيل الحكومة، شرطا شارطا لإعادة انتخاب طالباني). وربما لا يكون هذا التكليف العقبة الكأداء فيما لو تم زفاف وزواج جديد بين القبائل السياسية المتناحرة والمستندة إلى القوة العسكرية والنووية الإيرانية، والرغبة الأميركية في قفل ملف العراق "الأسود" وبسرعة من السياسة الخارجية الأميركية، ضماناً– ربما– لإمكانية إعادة انتخاب أوباما الطامع في المُلك الأميركي لأربع سنوات أخرى. وهو ما يفسر رد فعل واشنطن السريع الذي قال: "إن الاتفاق جاء متوافقا مع الكثير من أهداف واشنطن". وقال أنتوني بلينكين، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس بايدن: "هذا إنجاز لافت"، ولكن غوست هيلترمان، خبير الشؤون العراقية في مجموعة الأزمات الدولية ردَّ عليه قائلاً: "هذا ليس السيناريو الذي ترغب فيه الولايات المتحدة، إنه السيناريو الأكثر تفضيلا لدى إيران".اليوم، وفي هذا المقال لن أتحدث عن المزيد مما يحصل في العراق، حتى لا أستبق الأحداث، علماً أن كل ذي بصر وبصيرة يرى أن الخارطة السياسية العراقية للسنوات الخمس القادمة، قد تمَّ رسمها في طهران، وتمت عليها بعض الإضافات من واشنطن وبرضا ومباركة إيرانية. ويبدو أن طهران وواشنطن مختلفتان في كل شيء، وعلى كل شيء، ما عدا مستقبل العراق في السنوات الخمس القادمة!- 2 -بانتظار ما سيحدث في العراق، دعونا اليوم نقرأ في كتاب (لعنة النفط: الاقتصاد السياسي للاستبداد) للباحثين: غوردون جونسون، نائب رئيس جامعة كمبردج، والباحث العراقي مجيد الهيتي، وهذا الكتاب، له علاقة وثيقة بما يجري الآن في "العراق الجديد" من إهدار للثروة النفطية الأولى، وهو النفط، وفساد مالي كبير، فإذا كان صدام حسين قد أهدر ثروة العراق في حربه مع إيران(1980-1988) ومع العرب والعالم في حرب الخليج الثانية 1991، فإن بعض زعماء "العراق الجديد" لم يحاربوا، ولم يكونوا بُلْه وأغبياء كصدام حسين، وإنما وضعوا ثروة العراق ومقدراته الضخمة في جيوبهم، وفي حساباتهم. وها هي "منظمة الشفافية الدولية" طبقاً لذلك، تُعلن بكل صراحة ووضوح أن "العراق الجديد"، أصبح أكبر مثال للفساد المالي في التاريخ البشري!- 3 - كتاب جونسون والهيتي (لعنة النفط: الاقتصاد السياسي للاستبداد) يعتبر إطلالة علمية تاريخية على الشروط التي تنتج لعنة النفط، وتحوّل النعمة إلى نقمة، وتحوّل هذه الثروة إلى "دم الشيطان"، كما أطلق عليها فيرنون سميث الأستاذ في جامعة جورج ماسون، في محاضرة له في "معهد السلام" في واشنطن 2003، أو "فضلات الشيطان" كما أطلق عليها المسؤول الفنزويلي خوان بابلو ألفونسو مؤسس "منظمة الأوبك".والنفط علامة من العلامات البارزة للمجتمع الريعي، الذي غالباً ما يكون دكتاتورياً، حيث لا تحتاج السلطة إلى أموال دافعي الضرائب لكي تنفذ مشاريعها، وهي بالتالي لا تسألهم "نَعَمْاً" أو "لاءً"، لأنها في غنىً عن "نَعَمِهم" و"لائِهم"، أو قبولهم ورفضهم، طالما أنها لا تمدّ يدها إلى جيوبهم. ولعل المجتمعات الريعية في العالم العربي والعالم الثالث وأميركا اللاتينية وإفريقيا كذلك، قد شهدت ما شهده العراق في العهود السابقة، وفي هذا العهد الجديد، من فساد وعدم خشية من محاسبة الشعب للسلطة الحاكمة، حيث لا صوت للشعب في هذه الحالة، فالسارق لا يسرق من جيب الشعب ولكنه يسرق من جيب السلطة، باعتبار أن الثروة القومية ليست ملكاً للوطن، وليست ملكاً للشعب، وإنما هي ملك السلطة الحاكمة التي عبَّر عنها التراث السياسي-الديني العربي بقول أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني، في أول خطبة له في المسجد: "أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه، فإن شئت بسطت، وإن شئت قبضت".إذن، فالنفط وثروته الهائلة ليس نعمة أو نقمة بحد ذاتها، إنما من يجعلها كذلك، طريقة استعمال هذه الثروة ومدى التحكم والنزاهة والشفافية بالتعامل معها، وهذا ينعكس بطبيعة الحال على مستوى ونوعية الأداء السياسي، فيما لو علمنا أن رياح السياسة تتحدد اتجاهاتها بواسطة المال ومصادره. وهو ما قاله المؤلفان في هذا الكتاب، من أن " الثروة النفطية تدفع إلى تحرير الدولة والنظام السياسي من المجتمع وآليات الرقابة والمحاسبة، وتسمح هذه الثروة بتمويل آلة قمع كبيرة على شكل جيوش جرارة وأجهزة أمنية متشعبة، هدفها دعم وإدامة النظام السياسي على حساب جميع الأهداف الأخرى، مما يُغذي النزعة العسكرية وتغليب الخيارات المسلحة على الخيارات السلمية، في حلِّ المشاكل الداخلية والخارجية".ولكن الخطر السياسي المتعاظم للثروة النفطية، التي تُنتج الاقتصاد الريعي، والمجتمع الريعي، يتلخص بالكوارث التالية:1 - عدم حاجة السلطة الحاكمة إلى الكفاءات في أي مجال من المجالات، واستبدال أهل الكفاءة بأهل الثقة، فما حاجة السلطة إلى أهل الكفاءة؟ فأهل الكفاءة يأتون بالثروة. والسلطة ليست بحاجة للثروة، ولديها مصدر كبير وضخم لا ينضب من الثروة، إلا بعد أجيال قادمة.2 - زيادة مركزية السلطة، وتشبُّت السلطة بالحكم، وعدم سماحها بتداول السلطة. بل نرى أن السلطة في المجتمع الريعي النفطي، ذات مخالب وأنياب، وتقول دائماً، إن "ما أخذناه وحصلنا عليه، لا يمكن أن نعطيه للآخرين".3 - حصر توزيع الثروة والاستمتاع بها بين فئة قليلة ومحصورة، هم أعضاء السلطة الحاكمة، ومن هم على صلة بها، وحرمان سواد الشعب من فوائد وعوائد الثروة الوطنية.4 - ونتيجة لعدم وجود نظام رقابي ومحاسبي على أموال الدولة وكيفية صرفها، يجري تبذير هذه الأموال بطريقة سخيفة ومبتذلة، وصرفها على أوجه لا علاقة لها بالتنمية البشرية أو الوطنية. فكما جاءت أموال الثروة النفطية في المجتمع الريعي بسهولة ويسر، فإنها تُصرف كذلك بسهولة ويسر، ودون حسيب أو رقيب.5 - تقوم الدولة الريعية على صرف جزء كبير من العائدات النفطية على الأجهزة الأمنية القمعية القادرة على إخراس صوت المعارضة، وأعداء السلطة، وليس أعداء الوطن. كما يلاحظ أن الدولة الريعية تلجأ إلى شراء كميات كبيرة من الأسلحة ذات الأثمان المرتفعة، دون حاجة ماسة لها، وتكديسها في مستودعاتها، وعدم استعمالها. ويتبين بعد ذلك أن الغاية من شراء هذه الأسلحة هو حصول (المحاسيب) على العمولات الضخمة، التي تزيد من فساد السلطة.(وللموضوع صلة).* كاتب أردني