الطائفية تدمر المجتمع

نشر في 11-05-2011
آخر تحديث 11-05-2011 | 00:00
 أ.د. غانم النجار ربما كانت الطائفية سبباً أساسياً في نشأة الدولة المدنية الحديثة في منتصف القرن السابع عشر، حيث جاءت الدولة الوطنية التي ترتكز على أساس المواطنة، وليس الدِّين، كحلٍّ لحالة الاحتراب الذي استمر سنوات طويلة وراح ضحيتها ملايين البشر في أوروبا.

وبعد تطور زاد على القرن ودخول أفكار العقد الاجتماعي والثورة الصناعية بدا أن الدولة الحديثة بحاجة إلى مفاهيم حكم رشيد يعتمد على الديمقراطية وفصل السلطات والمساواة بين كل مَن يعيش داخل حدود الدولة.

نحن في الشرق استوردنا شكل الدولة الوطنية المدنية، وجاء في إعلاناتنا ودساتيرنا أن المواطنة وليس الدين أو المذهب هي أساس المجتمع، إلا أننا استوردنا الشكل فقط، وظل حكامنا والكثير من قوانا المجتمعية والسياسية والإعلامية يجرون الدولة إلى زمن سابق على الدولة المدنية القائمة على أن المفاضلة تقوم على المواطنة.

حالة الشد الطائفي في العديد من المجتمعات العربية، وآخرها ما جرى بين مسيحيين ومسلمين في حي إمبابة الشعبي بمصر، كانت قد دفعت مجموعة من منظمات حقوق الإنسان المصرية إلى إرسال رسالة إلى رئيس الوزراء المصري طالبوا فيها بتشكيل لجنة تتبع مجلس الوزراء تضع على عاتقها مهمة تفعيل الضمانات الدستورية للمواطنة والمساواة، وتحقيق تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد، بصرف النظر عن الديانة أو المعتقد أو العرق أو مكان الميلاد. كما شددوا على ضرورة أن تضم اللجنة في عضويتها شخصيات مستقلة تمثل أقسام المجتمع التي تعاني مظاهر التمييز أو التهميش، إلى جانب ممثلين لمنظمات حقوق الإنسان. وأكدوا أن قدرة أجهزة الدولة على تطويق المناخ الطائفي ترتهن إلى حد بعيد بإعادة الاعتبار لمقومات وركائز الدولة المدنية التي تآكلت عبر العقود الأخيرة، نتيجة للتوظيف المتزايد للدِّين وللمؤسسات الدينية في السياسة وفي العمل العام. ودعوا في هذا الإطار إلى ضرورة أن تتوقف أجهزة الدولة عن "تديين" القضاء السياسي والمجال العام، الذي يفترض أن تشغله - في مجتمع ديمقراطي - الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. كما يتعين عليها أن تتوقف عن توظيف المؤسسات الدينية في لعب أدوار سياسية تتجاوز مهام هذه المؤسسات، التي ينبغي أن ينصرف دورها إلى إنتاج خطابات دينية عصرية تنبذ الإقصاء والغلو الديني والكراهية الدينية، وتدفع باتجاه الاستنارة والاعتدال. كما حثوا المؤسسات الدينية على تخصيص أحد أكفأ أعضائها لمهمة متابعة ما يصدر عن هذه المؤسسات من مطبوعات أو خطاب يكون متناقضاً مع قيم المواطنة، أو يحض على الكراهية الدينية.

لعله من الضروري التنويه إلى أن المذكرة كانت قد وجهت إلى رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد نظيف على إثر جريمة تفجير كنيسة القديسَين بالإسكندرية. كل ما فعلته المنظمات الحقوقية أن أعادت إرسالها مرة أخرى إلى رئيس الوزراء الحالي د. عصام شرف.

بالطبع لسنا هنا بحاجة إلى توضيح أن ذات المشكلة تكاد تكون مكررة في بلادنا العربية، وكل ما نحتاجه هو تغيير تفاصيل بسيطة لتصبح مذكرة الجمعيات الحقوقية صالحة لجميع الدول.

حالة الاحتقان الطائفي أو أي نوع آخر من الفئويات لن تنتهي إلا بتدمير المجتمع، وتقويض النظام، وإنهاء الاستقرار، وإلهاء الناس في فرعيات الأمور عن أساسيات بناء المجتمع وتنميته وتقدمه، فلن يستقر المجتمع وينمو إطلاقاً دون تعزيز قيم المواطنة وإعلائها على جميع الاعتبارات الفئوية أياً كان مصدرها.

back to top