جيب الحكومة... يشيل بني آدم !

نشر في 02-11-2010
آخر تحديث 02-11-2010 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر كيف لا يمكن لجيب الحكومة أن «يشيل» بني آدم وهو عالم بحد ذاته، وفيه من الكنوز التي لا تحصى مفاتيحها، وتبدأ بالمناقصات المليونية والمشاريع الكبرى التي قد ترسو على أي بني آدم بمجرد أن يدخل في هذا الجيب، والتي تدر خيراً كثيراً على شاغليها إن أرادوا ذلك؟!

في تعليق دبلوماسي لطيف استغرب رئيس مجلس الأمة من سؤال بعض الصحفيين عن كون المجلس أو بعض نوابه قد أصبح في جيب الحكومة، فأجاب مازحاً، كعادته في القفشات الصحفية، متسائلاً هل جيب الحكومة "يشيل" بني آدم؟!

وهذا التعليق ذكّرني بحوار لطيف آخر بين طفل ووالده وهما يتابعان خبر اختطاف طائرة ركاب، حيث تساءل الطفل كيف يمكن سرقة طائرة كبيرة بهذا الحجم وعلى متنها كثير من الناس، فأجاب الوالد أنهم يسرقون الطائرة عندما تصل إلى أعماق السماء وتصبح صغيرة جداً وعندها يمكن سرقتها بسهولة!

وفي الحقيقة، فإن مفهوم جيب الحكومة مصطلح معقد سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ومثل هذا الجيب موجود وبوضوح ولا يمكن إنكاره بأي حال من الأحوال، وهو فعلاً كمثال الطائرة المخطوفة لها وضعية على الأرض ووضعية أخرى في السماء.

فعلى الأرض جيب الحكومة كبير إلى حد لا يستطيع فقط أن "يشيل" بني آدم، بل يلف أكبرهم وأسمنهم ليس على مستوى أعضاء مجلس الأمة فحسب، بل على مستوى الكثير من القوى السياسية والتيارات والشخصيات البارزة، ومن كل الملل والنحل والتوجهات الفكرية والدينية وغيرها.

ومثل هذا الجيب كيف لا يمكنه أن "يشيل" بني آدم وهو عالم بحد ذاته، وفيه من الكنوز التي لا تحصى مفاتيحها، وتبدأ بالمناقصات المليونية والمشاريع الكبرى التي قد ترسو على أي بني آدم بمجرد أن يدخل في هذا الجيب، وهناك المئات من المناصب القيادية المهمة ذات الوجاهة السياسية والاجتماعية, وقد تدر خيراً كثيراً على شاغليها إن أرادوا ذلك.

وهناك جيوب أخرى من يدخلها فقد يحصل على تسهيلات لا حصر لها من إنجاز المعاملات بدءاً بالتعيين أو الترقية أو النقل أو تأشيرات الهجرة والإقامة أو الحصول على إجازات العيادة أو العلاج بالخارج، ومروراً بدخول الكليات العسكرية والوظائف ذات الكادر الخاص وانتهاءً حتى بتسمية وزراء الدولة!

وهناك الجيب السياسي المختص بإبرام الصفقات داخل وخارج المجلس لتمرير قانون أو لقبر قانون آخر أو لوأد استجوابات أو لتشكيل اللجان البرلمانية، وهذا هو الجيب الداخلي الذي لا يدخله إلا الخواص والمقربون.

وقد يكون هذا التشبيه مناسباً لمعرفة حجم هذا الجيب الحكومي كالطائرة الجاثية على الأرض والتي تستوعب الكل بسهولة ويسر، بل قد يكون الصراع والمناقشة على أشدهما لدخول هذا الجيب.

أما إذا أخذنا التعريف المجازي للجيب الحكومي بحجمه الصغير فبالتأكيد أنه لا يمكن أن "يشيل" بني آدم، ولكن الحل في معالجة هذا الأمر يمكن في تصغير حجم الآدمي لدرجة يمكن وضعه في الجيب، وكلما تخلى هذا الآدمي عن مبادئه وشعاراته ووعوده أمام ناخبيه وضرب بها عرض الجدار صغر في حجمه، وزادت هذه التنازلات صغراً أكثر فأكثر حتى تصل الحال إلى إمكان وضعه في الجيب الأمامي الصغير، فيكون كالطائرة التي وصلت إلى علو شاهق وصغرت بحيث يمكن سرقتها بسهولة!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top