تراجع لبنان عن الالتزام بالمحكمة يتطلب تعديلاً دستورياً وقوى «8 آذار» غير قادرة على تأمين الأكثرية المطلوبة
تسلمت مراجع مسؤولة بارزة في الأكثرية أكثر من رأي ودراسة قانونية – دستورية في شأن ما تطالب به قوى "8 آذار"، من امتناع لبنان عن المساهمة في تمويل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري ورفاقه.وانطلقت هذه الدراسات والآراء من نصوص الدستور اللبناني الذي ينص في الفقرة "ب" من مقدمته الميثاقية التي وضعت في اتفاق الطائف، على ما حرفيته:
"... لبنان (...) عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها (...) وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء".وبما أن لبنان ملتزم حكما مواثيق الأمم المتحدة، وملزم دستوريا بأن تجسد دولته ممثلة في مؤسساته الشرعية ما يتضمنه ميثاق الأمم المتحدة "في جميع الحقول والمجالات دون استثناء"، فإن هذه الدراسات تلفت إلى المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على ما حرفيته:"يتعهد أعضاء "الأمم المتحدة" بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق".وتلفت الدراسات القانونية – الدستورية إلى أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أُنشئت بموجب قرار يحمل رقم 1757، صادر عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، الذي يجيز للمجتمع الدولي استخدام القوة لتطبيقه. ولذلك فإن لبنان الملتزم دستوريا وميثاقيا بتطبيق ميثاق الأمم المتحدة ملزم بالتالي بتطبيق القرار 1757 الذي ينص على تأسيس المحكمة، وعلى أن يسدد لبنان 49 في المئة من موازنتها، بمعزل عن قرار "حزب الله" وحلفائه في قوى 8 آذار بالتصويت ضد التمويل في مجلسي الوزراء والنواب، وبمعزل عن نتائج هذا التصويت الذي يعكس موازين القوى الداخلية. ويرى القانونيون والدستوريون في ضوء هذا العرض أن التصويت في مجلس الوزراء في حال إتمامه، يفترض أن يكون على الأساس وليس على التفصيل، أي على استمرار لبنان في الالتزام بالقرار 1757، وبالتالي بميثاق الأمم المتحدة أم التراجع عن هذا الالتزام. وهو ما يعني عمليا تصويتا على تعديل الدستور اللبناني في الفقرة "ب" من مقدمته. ومثل هذا التصويت في حال حصوله يؤدي: 1 -إلى إعادة النظر باتفاق الطائف على اعتبار أن المقدمة الميثاقية للدستور جاءت نتيجة للتعديلات التي أقرت في الطائف.2 -إلى إعادة النظر بمقررات طاولة الحوار التي سبق لها منذ عام 2006 أن أقرت بالإجماع الموافقة على المحكمة الدولية لكشف جرائم اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.3 - إلى إعادة النظر باتفاق الدوحة الذي أنتج انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان كرئيس توافقي أعلن في خطاب القسم التزامه بالمحكمة الدولية وبالقرارات الدولية الخاصة بلبنان، والذي أنتج حكومة توافقية تبنت في بيانها الوزاري المحكمة الدولية وعمدت الى تسديد دفعات من حصة لبنان المالية في تمويل المحكمة.4 - إلى إعادة النظر بالأسس الوفاقية التي قامت عليها حكومة الوفاق الوطني الحالية، والتي تضمن بيانها الوزاري تأييد المحكمة، والتي سددت بموجب قرار اتخذته دفعة من حصة لبنان لتمويل المحكمة.5 - حرج للبنان الذي انتخب عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي مدة سنتين، اعتبارا من مطلع السنة الماضية، إذ كيف يمكن لعضو في مجلس الأمن ألا ينفذ قرارات المجلس؟6 - خطر على مصير القرارات الدولية الأخرى المتعلقة بلبنان. ذلك أن تراجع الدولة اللبنانية عن التزامها بالقرار 1757 يمكن أن يشكل ذريعة لإسرائيل للتملص من الالتزامات التي يفرضها عليها القرار 1701، وغيره من القرارات الدولية التي تفرض عليها الانسحاب من لبنان وعدم الاعتداء عليه.ويلفت الحقوقيون والدستوريون الى أنه بمعزل عن الاعتبارات السياسية والميثاقية وما يمكن أن تتسبب به من مواجهات داخلية بين اللبنانيين، فإن قوى "8 آذار" غير قادرة دستوريا وحسابيا على إسقاط التزام لبنان بالمحكمة الدولية، لأن مثل هذا الإسقاط يتطلب تصويتاً في مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي الأصوات، وهو ما ليس متوافراً حتى ولو قرر رئيس الجمهورية الإيعاز الى وزرائه الخمسة بالتصويت لمصلحة إسقاط التزام لبنان بقرار مجلس الأمن الخاص بالمحكمة. كما أن انضمام وزراء اللقاء الديمقراطي الثلاثة الى قوى "8 آذار" ووزراء رئيس الجمهورية لن يفقد قوى "14 آذار" القدرة على إسقاط مثل هذا التصويت لأنها ستحتفظ في أسوأ الأحوال باثني عشر وزيرا وهو ما يفوق الثلث المعطل للقرارات.