مازال هناك صراع بين غرفة التجارة ومعها البنوك من صوب وجماعة صندوق العشرة مليارات للتنمية من الصوب الآخر، هو صراع لم ينته ولو لم يكن هذا حقيقة لما كانت هناك حاجة إلى أن تنشر الصحافة بيان الغرفة الذي تنفي فيه وجود أزمة تمويل لدى البنوك، وأن المسألة لا تعدو أن تكون "... إشكالات تنظيمية وتشريعية وإدارية..." وهذا صراحة لم أفهمه..! ويبلغ الاعتراض على صندوق الدنيا الذي سيجعل الكويت سنغافورة الخليج مداه في عبارة الشال "... وقد لا تكون مشكلة في الأصل، ويبقى الجهد المبذول كله جهداً ضائعاً يشكك في جدوى وجوده خطة التنمية..."، وترفض الغرفة التمويل الموازي الذي سيخلقه صندوق العشرة مليارات وتطالب الحكومة بـ"... تغطية الفرق بين التمويلين التقليدي (مالهم) والموازي (مال الصندوق)..." بكلام آخر لابد من عون الدولة للبنوك رغم زعمها أنها لا تعاني أزمة شح أموال للائتمان، وكأن البنوك ليست عاجزة عن تحصيل ديونها المستحقة على الكثير من الأفراد والشركات التي اعسرت وهي مفلسة واقعاً وليس قانوناً نتيجة الكارثة المالية العالمية عام 2008 والمستمرة إلى اليوم وربما إلى الغد.

Ad

القضية تظهر كأنها معركة بين القطاعين العام والخاص، القطاع الخاص هو البنوك وأهلها، والعام هو الحكومة "الشعبوية" ويمثلها مشروع الشيخ أحمد الفهد واللوبي الذي معه، وفي طليعتهم النائبة رولا دشتي "والذين يؤكدون بدورهم شح تمويل البنوك، وهم يرون أنه لا فائدة اليوم من "تمويلات" البنوك التي تقر الغرفة بوجودها، لكنها ترجع في سببها إلى إجراءات تنظيمية وتشريعية وإدارية لا إلى وجود أزمة خانقة للبنوك تسكنها مهدئات الحكومة الضامنة للودائع، ويتكفل بها وبشركاتها المدينة بأموال فلكية البنك المركزي... فهنا من جديد عودة إلى الحضن الحكومي الدافئ لضمان أن يبقى الكبار كباراً والأثرياء أثرياء، ولو في الشكل والمظهر رغم أن الأزمة المالية العالمية خسفت بهم الأرض.

لم يعد الحوار قاصراً على أيهما الأفضل للتنمية "غير المستدامة" البنوك والغرفة من ناحية أم الصندوق وجماعة الشيخ أحمد الفهد من ناحية أخرى، مع أن الشيخ أحمد أبدى مرونة ودبلوماسية متجاوباً مع أي رأي آخر مخالف مادام في مصلحة مشروع التنمية... لكن بعض الخبثاء يشيعون همساً أحياناً و"زعيقاً" في أحيان أخرى بأن مشروع الصندوق هو مشروع شراء ذمم وتوسعة للولاءات السياسية للشيخ أحمد الفهد لا أكثر...! القضية ليست مسألة قطاع عام أو خاص، ففي النهاية الكويت كلها هناك قطاع عام يرضع من ثديه القطاع الخاص، والقطاع الخاص هنا ليس أصحاب البقالات والمشروعات الصغيرة إنما "أكبرها وأسمنها". والصراع هناك بين الكبار بعضهم والبعض الآخر، ولا شأن "لمكاريد" الكويت فيه، فالبنوك لن تقرضهم بشروط عادلة وبدون فوائد مريعة تعجزهم وتذهب بأحلامهم في النهاية، وخيرات صندوق الدنيا لن يدخل دينار واحد منها إلى جيوب الزملاء الكتاب في جريدة "الجريدة" وغيرها... فالعالم الكويتي لاهٍ في مسلسلات السذاجة الرمضانية، وغارق في غبقات الدواوين، وثقافة الصحافة الراسخة عن "انقلاب سيارة ووفاة قائدها، والقبض على عصابة آسيويين يصنعون الخمور المحلية في الشهر الكريم...".

ماذا لو وضعت الحكومة بضعة ملايين بسيطة لإصلاح العوج في جل مرافقها المهترئة؟... ماذا لو تحركت الحكومة لخلق مسرح جاد ودور ثقافة وتنمية الوعي الضحل عند الكثير من شبابنا, ماذا لو استثمرت في بناء الكفاءات للشباب من الجنسين... ماذا لو اهتمت الحكومة بثقافة الإنسان لا بالأسمنت والبنيان... لكن ماذا أقول وكلامي في النهاية "ضايع". ختاماً ليست العبرة بأيهما أفضل الخاص أم العام، لكنها تكمن في شرطي الكفاءة والنزاهة وقد يكونان في أي من القطاعين والأكيد أن الاثنين يفتقدان الاثنين.