«الغيرة لا تليق بالنساء النبيلات»

Ad

هذا ما قالته جدتها لها... بعد أن أخرجت تلك الجملة من صندوقها الفضي الصغير الذي تحتفظ في داخله بأثمن ما جمعته خلال عمرها المديد، كانت تلك الجملة ملفوفة بعناية داخل ذلك الصندوق بمنديل حريري مطرزة أطرافه بخيوط ذهبية بشكل زخرفي في غاية الجمال.

ذلك المنديل مازال محتفظا برائحة دهن العود المعتق، وكأنما هو مغموس به منذ لحظات فقط، لم تُذهِب السنين شذاه ولم تسرق شيئا يُذكر من رائحته العطرة.

تلك الجملة بمنزلة خلاصة عمر طويل مليء بالتجارب التي حاكتها نساء تعرفهن الجدة حق المعرفة، وشاهدتهن وهن يحكين تلك التجارب بمشاعرهن وآهاتهن ودموعهن وبمغزل قلوبهن.

نساء منهن انتقلن إلى عالم آخر حاملات معهن دفء قصصهن، وأخريات مازلن يصفن لحفيداتهن كيف تُسرّب القناديل الزُرقَة في الجفون كحلا في ليالي السهر!

أخذت الجدة تلك الجملة من ذلك المنديل ووضعتها في كف حفيدتها وأغلقت الكف الناعم على تلك الجملة وشدت على الكف بحنان لم يخلو من الحزم، وكأنما تحاول الجدة أن تُشعر حفيدتها بالقيمة الكبيرة لما يحتويه كفها، وذلك الكنز العظيم الذي إن عرفت كيف تتقن استعماله عاشت حياتها برخاء!

«الغيرة لا تليق بالنساء النبيلات»

هذه الجملة لا تعني أن الغيرة داء لا يصيب سوى النساء غير النبيلات، هي تعني أن النساء النبيلات معرضات أيضا لهذا الداء، إلا أن ذلك ببساطة لا يليق بهن!

نعم... الغيرة تفسد زينة روح الأنثى، كما تُفسد الحرارة مكياج وجهها

إنها تُظهر البثور والدمامل والعيوب

تُبدي القبح الكامن في الأعماق

تفقد الأنثى النبيلة بسبب الغيرة وقارها وسموها.

الغيرة تجفف الندى من على أوراق شجرة الأنوثة، تجعلها صفراء يابسة، تحرق حقول الزعفران.

تعجّل في رسم التجاعيد على القلب والجبين، تسرق في غفلة دفء الحضن

تشوّه موسيقى الصوت الحاني فيصبح فحيح أفعى.

الغيرة تجعل الأنثى تتنازل عن عرش كبريائها فتتحول من نجمة يملأ ضياؤها السماء، إلى مجرد صخرة صماء بائسة على سطح الأرض.

الغيرة تنتزع ثقة الأنثى بأنوثتها، فتسلبها أجمل ما فيها، فلا تعدو أكثر من جسد بارد محاط باللهب، وجمجمة مليئة بالثقوب محاطة بالرياح!

كثير من النساء يعتقدن أن الغيرة دليل محبة واهتمام بالحبيب ومحاولة للحفاظ عليه، بينما كثير من التجارب العاطفية أثبتت أن الغيرة غالبا ما تصيب الحب في مقتل، فكثير من قصص الحب وُجدت مشنوقة في الليل بحبل الغيرة.

وكثير منهن يظن أن قليلا من نكهة الغيرة تعطي للحب مذاقا شهيّا، وهذا صحيح إلى حدّ كبير، إلا أن كثيرا منهن يجهل أن هذا القليل يزداد مع الوقت دون أن يدرين فيصبح مذاق الغيرة هو الطعم الغالب، ويصبح التخلص منه أشبه بالمستحيل!

كثير منهن يتوهمن أنهن قادرات على التحكم بدرجة حرارة الغيرة، إلا أنهن لا يُفقن من هذا الوهم إلا بعد أن تلتهم النار جسد الحب وأجساد العاشقين.

الغيرة ليست لعبة آمنة

إنها من أخطر ألعاب الحب، تبدو مغرية شهية... وهذا بالضبط سر خطورتها.