عندما يكون هناك كل هذا التراشق الكلامي المتصاعد، والحرب أولها كلام، فإن هذا يعني أن لبنان ذاهب إلى انفجار هائل جديد، وإلى حرب أهلية مدمرة أخرى، والواضح أن أكثر من جهة تسعى إلى دفع الأمور نحو المواجهة العسكرية للتخلص من استحقاقات تشعر أنها باتت قريبة، وأولها القرار الظني الذي من المنتظر أن تصدره المحكمة الدولية، إذ كان قد تسرب أن حزب الله، أو بعض أعضائه، هو المتورط في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

Ad

وعندما يتجرأ المدير العام السابق للأمن العام جميل السيد، الذي كان معتقلاً مع آخرين من قادة الأجهزة الأمنية وأفرج عنهم بقرار من المدعي العام الدولي، ويقول لرئيس الوزراء سعد الحريري: "اقسم بشرفي يا حريري إن لم تعطني حقي فإني سأخذه بيدي في يوم ما... ولتحبسني"، وعندما يدعو السيد رئيس الوزراء اللبناني إلى الخضوع لآلة كشف الكذب لتأكيد أنه لم يدعم ولم يمول شهود الزور، وإلى أن يعترف بأنه باع دم والده مدة أربع سنوات من أجل تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، فإن هذا يعني أن لبنان قد اقترب من حافة الهاوية، وأن الحرب الأهلية غدت على الأبواب.

في بدايات سبعينيات القرن الماضي كان هناك احتقان مثل هذا الاحتقان، وكان من يحتل موقع حزب الله، على اعتبار أنه مقاومة مقدسة لا يجوز مسها والحديث عن سلاحها ومصادرتها للدولة وسيادتها وهيبتها، هو منظمة التحرير وفصائلها المدعومة بخارج يكاد يكون هو الخارج نفسه الذي يدعم حسن نصر الله وحزبه، وكان أن تطاول الشيخ أمين الجميل النائب في البرلمان اللبناني في ذلك الحين على رئيس الوزراء وقتها رشيد الصلح، كما يتطاول الآن جميل السيد على سعد الحريري، فانفجرت تلك الأوضاع المحتقنة وكانت تلك هي البداية الفعلية للحرب الأهلية التي استمرت زهاء خمسة عشر عاماً.

وهكذا فإن الخيار الذي يتبناه حسن نصر الله وحزبه ومعهما جميل السيد وكل الذين يخشون استحقاق المحكمة الدولية، الذي يبدو أنه غدا قريباً، هو إما أن يسقط سعد الحريري بنفسه هذه المحكمة باعتباره وكيل دم والده أو إشعال نيران حرب أهلية جديدة لتتغير المعادلة الحالية، ويصبح الأمن الخارجي المستورد مطلوباً، وتذهب قضية مقتل رفيق الحريري إلى الضياع مثلما ذهب مقتل كمال جنبلاط في عام 1977 إلى مثل هذا الضياع.

لقد أصبح لبنان في ظل هذا التصعيد المحموم على مفترق طرق، فإما أن يسقط سعد الحريري المحكمة الدولية ويطوي ملف مقتل والده، ويقرأ المزيد من صور الندامة تكفيراً عن مواقفه السابقة، وإما دفع البلاد نحو الحرب الأهلية لتختلط الأمور وتعم الفوضى وتصبح الاستعانة بالأمن المستورد مطلوبة حتى من إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة، وعلى غرار ما حصل أكثر من مرة في الماضي الذي لا يزال ماثلاً للعيان رغم بعده!