لكي تتمكن الحكومة من إعادة ثقة الناس بالأجهزة الأمنية التي هزتها أخبار وصور الأحداث الأخيرة، وزعزعتها البيانات غير الدقيقة والتصريحات المتناقضة التي صدرت من قبل كبار مسؤولي وزارة الداخلية، فإن المطلوب ليس معاقبة المسؤولين كافة عن عمليات تعذيب المتهمين أو تضليل الرأي العام فحسب، بل إن المطلوب أيضا هو اتخاذ خطوات عملية تتضمن تشريعات جديدة وقرارات حكومية سريعة لوقف عمليات التعذيب.
لا يكفي إطلاقا إدانة عمليات التعذيب التي تتم في أثناء التحقيق مع المتهمين، والتي فضحتها أخيرا عملية قتل المتهم البريء المرحوم محمد الميموني الذي راح ضحية عملية تعذيب بشعة لا أظن أنها محصورة في تصرفات فردية لبعض الضباط والأفراد الصغار، بل من المرجح جدا أنها ستطول كبار مسؤولي الداخلية، وهذا ما ستكشف عنه المحكمة ولجنة التحقيق البرلمانية.لا تكفي أبدا عملية الإدانة مع أهميتها البالغة، إذ لابد، وكما ذكرنا في المقال السابق، من وجود ضمانات قانونية لحيادية التحقيق من جهة، ولعدم تكرار عمليات تعذيب المتهمين نفسيا وجسديا والتي كشفتها وفاة المرحوم الميموني وشهادات المتهمين الآخرين في القضية ذاتها، والتي نشرت بعضها وسائل الإعلام، كما كشفتها أيضا الحالات السابقة لمتهمين آخرين تعرضوا للتعذيب العنيف وغير القانوني من قبل بعض العاملين في الجهاز الأمني من الجهة الأخرى.وهنا فإنه لابد من الإشارة إلى أن الزميلين مظفر عبدالله ود. غانم النجار المهتمين بحقوق الإنسان قد أشارا في مقاليهما إلى بعض الضمانات القانونية التي ستقضي على التعذيب أو على الأقل تحد منه إلى حد كبير، وستوفر ضمانات أكثر لنزاهة عملية التحقيق وحياديتها، ومن ضمنها نقل تبعية الطب الشرعي لوزارة العدل أو النيابة العامة، وسحب الكويت لتحفظها على بعض مواد اتفاقية مناهضة التعذيب، والتوقيع على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.وفي هذا السياق، ولكي تتوافر درجة عالية من حيادية التحقيق ونزاهته، فإنه لابد أيضا من توحيد الدعوى العمومية، وذلك بضم إدارة التحقيقات إلى النيابة العامة لتكون نيابة جنح بدلا من تبعيتها الحالية لوزارة الداخلية، وهو مطلب قديم لم يتحقق حتى الآن رغم أهميته وضرورته القصوى لتوفير ضمانات قانونية أكثر للمتهمين، وهو الأمر المعمول به في الكثير جدا من دول العالم، خصوصا الدول الديمقراطية، علاوة على أن ذلك من شأنه أيضا أن يخفف العبء الإداري الثقيل عن وزير الداخلية، ويجعله أكثر تفرغا لمتابعة شؤون الأمن العام. قصارى القول أنه، ولكي تتمكن الحكومة من إعادة ثقة الناس بالأجهزة الأمنية التي هزتها أخبار وصور الأحداث الأخيرة، وزعزعتها البيانات غير الدقيقة والتصريحات المتناقضة التي صدرت من قبل كبار مسؤولي وزارة الداخلية، فإن المطلوب ليس معاقبة المسؤولين كافة عن عمليات تعذيب المتهمين أو تضليل الرأي العام فحسب، بل إن المطلوب أيضا هو اتخاذ خطوات عملية تتضمن تشريعات جديدة وقرارات حكومية سريعة لوقف عمليات التعذيب بأشكاله الجسدية والنفسية كافة؛ حتى لو لم تفضِ إلى وفاة المتهم أو على الأقل فضحها في حال وقوعها، وضمان حيادية عملية التحقيق.ومن ضمن القرارات الحكومية المطلوب اتخاذها على وجه السرعة بالإضافة لما تطرق له الزميلان نقل تبعية إدارة التحقيقات العامة إلى النيابة العامة، فهل نرى ذلك سريعا؟ كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
التعذيب وحيادية التحقيق
19-01-2011