يلحظ المتابع للشأن العام كثرة القضايا التي تحيلها الحكومة إما إلى لجان التحقيق وإما إلى النيابة العامة، وكثرة عدد القضايا التي تحال إلى ديوان المحاسبة لتدقيقها بعد أن يثار حول صحة إجراءاتها الكثير من الملاحظات، وأيضا كثرة عدد القضايا التي تشكل من أجلها لجان تحقيق برلمانية.

Ad

وبصرف النظر عن مضمون القضايا موضع التحقيق أو الأشكال التي تتخذها طلبات الإحالة الحكومية، والتي من الملاحظ أن بعضها يحال إلى النيابة العامة وهو ناقص الأركان القانونية، لذلك فإنها تنتهي إلى قيام النيابة العامة بحفظها إما لعدم جدية بلاغ الحكومة وإما لعدم كفاية الأدلة لأن الحكومة تحيلها إلى النيابة، وهي غير مكتملة الأركان القانونية، إذ لا يرفق معها مستندات محددة ووافية تتضمن تهما محددة لأشخاص معينين، وهو ما يعني أن الإحالة إلى النيابة العامة، في حالة عدم اكتمال أركانها، قد تستخدم كتبرئة للمتهمين الذين يعرف القاصي والداني أنهم ضالعون في ارتكاب الجريمة بشكل أو بآخر!

وبصرف النظر أيضا عن أن كثرة القضايا المحالة إلى لجان التحقيق سواء البرلمانية أو الحكومية أو إلى النيابة العامة وديوان المحاسبة وإدارة الخبراء في وزارة العدل يعتبر مؤشرا مقلقا على كثرة قضايا الفساد المستشري في الأجهزة الحكومية، الأمر الذي يتطلب وقفة جادة من قبل الجميع، خصوصا الحكومة ومجلس الأمة قبل أن يصبح الفساد هو القاعدة والنزاهة والشفافية هما الاستثناء.

نقول بغض النظر عن ذلك كله فإن السؤال هو: ترى هل لدى أجهزة التحقيق والرقابة والمتابعة خصوصا جهاز النيابة العامة ولجان التحقيق الحكومية والبرلمانية وديوان المحاسبة وإدارة الخبراء القدرة الإدارية والمالية والفنية على متابعة هذا الكم الهائل من قضايا وتهم الفساد التي تحال إليها بشكل مستمر، وعلى إنجاز تقاريرها بشكل دقيق في الوقت المحدد؟

نعرف الجهد الجبار الذي يقوم به العاملون كافة في هذه الأجهزة المهمة، وندرك حجم الضغوط الاجتماعية والسياسية التي يتعرضون لها لا سيما بعد أن ازدادت قضايا الفساد، وتنوعت أشكاله، وتوسع نفوذ الفاسدين في الفترة الأخيرة، كما نقدر أن تأخر الفصل في بعض القضايا أو تعطل إنجاز التقارير المتعلقة بها يكون راجعاً عادة إلى أسباب خارجة عن إرادة العاملين بهذه الأجهزة، خصوصا أن ازدياد عدد القضايا التي تحال إليها باستمرار قد لا يتناسب مع الإمكانات المادية والبشرية المتوافرة، لذلك فإن المطلوب ليس وجود الدعم المستمر لأجهزة التحقيق والرقابة والمتابعة وتطوير كفاءتها الإدارية والمالية والفنية، وتبسيط إجراءاتها حتى تكون قادرة على إنجاز مهامها بكفاءة عالية فحسب، بل إن المطلوب أيضا هو البحث عن المسببات الرئيسة للفساد بأشكاله وأنواعه كافة لأن القضاء على الفساد سيخفف الضغط الهائل على أجهزة التحقيق والرقابة والمتابعة، والذي يكون مرده عادة كثرة القضايا المهمة التي تنظرها هذه الأجهزة التي وصلت في السنوات الأخيرة إلى أرقام قياسية.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة