اضاءات خافتة


نشر في 01-09-2010
آخر تحديث 01-09-2010 | 00:01
 زاهر الغافري 1- اللمعة الأخيرة

سأنتظرهُ هذا الليل هنا أو هناك. لا حاجةَ لمجيئي نائماً بين مجراتٍ ونجومٍ كثيرة.

لا حاجة لزهرةٍ في اليد أو علبة الأبنوس، يكفي أن يكونَ حجرُ الرصيف الأسود رطباً والسماء بلونِ الرماد. أنا في الأخير وريثُ الكآبة، وريثُ الأموات الذين دفنوا في القلعة. أسرارهم اللامعة كالنجوم تُغطي الموسيقيين الخمسة في ساحة مالمو الصغيرة. انتبهْ! ليدٍ تلمسُ الذهب. إن شئت أن تختار فاخترْ جذورَ الشجرة، اخترْ حجراً على حافةِ نهرٍ غريب. كسائرِ الأيام التي تركتُها ورائي ونامَ على عشبِها الحلزونُ والضفدعُ والسلحفاةُ كسائرِ هذه الأيام سأمررُ يدي أخيراً لتلمسَ آلامَ ماضيها. لنْ أجيءَ نائماً سأذكّرُ نفسي برجلٍ يمشي في زنزانةٍ، يمشي وهو يضيفُ إلى العالم صرخةً أخرى. هكذا على الأقل. هذا ما سأحتاجُه في ليلِ الألوانِ ورائحة العشب والماء. وقبل أن تنغلقَ الأبوابُ سأسمعُ رنين المفاتيحِ والخطى اللا مرئيةَ للشبح القادم. سأختطفُ اللمعةَ الأخيرةَ – بعينٍ مجهدة – لقمرٍ يرحلُ بين الغيومِ كعظْمَةٍ بيضاء. ومثل مَنْ ينثر رماداً على ضفّةِ الحياة، سأنثر سنواتي كلها لكي أتكلّمَ من العالم الآخر. لكي أُغنيّ لأخشابِ الغابة السعيدة.

2- Karin Boye

سأخاطبكِ أنتِ هذه الليلة. أخاطبُ فيكِ الملاك النائم جوار المقبرة. سأخاطبك يا كارين بوي وأنتِ تنظرين بعينين من جمرٍ عاصفةً من كريستال ودخان الذخيرة يغطي ليل المدن. الأنوثة زهرةٌ على سرير الانتحار ترفعُ نداءَ الأيدي إلى الأعالي. صوتُك ذاك رنتّهُ الشبيهةُ بقفزةِ وعلٍ مطارَد صوتكِ القادم من ضفاف الحريّة يحفرُ قبراً فوق أعالي التلال. خذي كأساً من حجر الينبوع للألفية الثالثة. المعجزات قليلةٌ هذه الأيام لكنّ الألم غالباً ما يحدثُ على مرأى الجميع هنا أو هناك. كانت حياتُك غيمةً في الأربعين مليئة بالفراشات لكنْ تذكري في الغابة أو على حافة النهر يسهرُ الفتيانُ على ضوءِ أناملك الصغيرة كالبراعم وهي تتفتح في الهواء.

3- جوهرة في خريف أسود

لم تشعر بالمطر على حافة الناصية ولا بالريح التي رفعتْ رنينَ ضحكتها إلى أعلى قليلاً كرنين ملاكٍ في غابة. كانت تمشي كأنها في حياةٍ أخرى. لم تكنْ تفكر إلا بكرسيّ وراء النافذة لترتاح عليه، لتراقب رجلاً يمر فتدعوهُ إلى سرير رغبتها المضاء بالدمع والأزهار. لكنك أنتَ مَنْ يمر في هذه الساعة، أنتَ الضحية الحالم بالنعاس وزهرة الأرض. أنتَ القادم من تلالٍ بعيدةٍ في ليل الأسى بذراعين شغوفتين للسباحة في نبع الخيال. أنت الباحث عن جوهرةٍ في خريف أسود أنت مَن تم اختيارهُ بالمصادفة لاجتياز المحنة، لاختبار الجمال النائم هناك خلف أعمدة الضباب الكبيرة.

4- أرض الغفران

إلى يارا قبل الإغفاءة وبعدها

الصباح، في المنتزه، يصعد الضوءُ إلى شعرك والنسيمُ شقيق صلاة الليل يهبُ على سريرك. كنتُ أحسب أنني أسقط من علو شاهقٍ على أرض الغفران، على أرضٍ هي أرضك يوم تكبرين، ويوم يحميك الألم من جفوة العالم. إذن مَنْ ذا الذي يصنع تعويذةً لليل ولا ينظر في مرآتهِ ليراكِ نائمةً على ضفة النهر وفي يدكِ حلزون الماء يرعاهُ ملاك.

5- بحيرة النور

أكلم هذه المرأة التي لم تعُدْ تراني. لأن عينيها مُصوّبتان هناك إلى ما وراء النافذة.

إلى نرسيس في بحيرةٍ مسحورةٍ (ربما حيث يسعى المرءُ إلى حتفهِ الناقص) أكلمها برجاءٍ، دون أن تلتفت، لأنها على الأرجح تريد أن ترى، كيف يصعد النور إلى أعشاب عمرٍ ضائع. تردد أغنية عن منفاها الطويل، لتأتي اللحظة أكثر انكشافاً من عُريها تنتظر، هنا تحت الثلج، أن يقفز من بحيرةِ خيالها مالك الحزين ليجلب لها السعادة. وعندما تتعب. عندما يمتلئ إطار النافذةِ بأفكارها، تلتفت إليّ وفي عينيها يقرأ المرء حياة أيامها الماضية.

back to top