أحمر أحمر أحمر

نشر في 17-05-2011
آخر تحديث 17-05-2011 | 00:00
 طالب الرفاعي تنبري مجاميع بشرية ومؤسسات متنوعة الأهداف، على طول العالم وعرضه، إلى إجراء مسابقات، تبدو في أحيان كثيرة لافتة في غرابتها، لكن، لو كُتب لأي من هذه المؤسسات أن تجري مسابقة لاختيار اللون الأكثر انتشاراً، على كوكب الأرض، خلال القرن الماضي والقرن الحالي، فمن المؤكد أن اللون الأحمر سيكون هو اللون الفائز، دون منافسة تُذكر من أي لونٍ آخر.

فالإضافة إلى الحربين الكونيتين، ظل الاقتتال ولم يزل هو السمة الأكثر وضوحاً لما يجري في العالم. وظلت أنهار الدم البشري متجددة وجارية، دون أي اعتبار لثمن الدم الغالي، ولصراخ الملايين وبكائهم وعويلهم على فقد أهلهم وأحبتهم. لذا فإن المتأمل في المشهد الإنساني الراهن، يرى كيف أن الحروب والخلافات والصراعات والكوارث والحوادث الطبيعية، هي أكثر المشاهد وجوداً على لوحة المشهد الكوني، وأن اللون الطاغي بصبغته على مجمل هذه الحوادث هو اللون الأحمر، لون دم الإنسان الفقير والبسيط والمسالم والآمن.

يبدو جلياً أن الوحش القابع في الإنسان أكبر بكثير من إمكانية ترويضه، أو حتى الحد من عدوانيته المفرطة والسيطرة عليه. فجميع الأديان السماوية، وكل االشرائع البشرية، جاءت بحرمة القتل، والاعتداء على الإنسان، وأن قتل نفس واحدة، بمنزلة الاعتداء على كل البشر. وبالرغم من كل ما خطّه الفلاسفة والمفكرون والكتّاب مبشرين وحالمين بالسلام والوئام بين بني البشر، ظل القتل والدم مهيمنين على المشهد البشري، وظلا قادرين على رسم مصائر البلاد والعباد. وأبداً كان النصر حليف القوة، وستبقى عبارة «القوة تصنع الحق» متحققة ما بقي خلاف بشري، وما بقي بشر بقناعات متباينة.

يخفق قلب أحدنا إذا ما مسّته شفرة حادة عن طريق الخطأ، ويهرع لتضميد ومداواة جرحه بتفجر نقاط دمه الحار، فكيف، والحالة هذه، تبقى حمامات الدم البشري دائرة بلوعتها، يغذيها عنف وحشي أعمى، لا يرى إلا تصفية الآخر، طريقاً لبقائه وبسط نفوذه؟ وما الذي يغذي هذا العنف الجامح في قلوب البشر؟ وكيف يمكن الحد منه ونبذه؟

إن آلة الإعلام، متمثلة في مواقع الإنترنت والقنوات الفضائية والإذاعات الإخبارية، اتخذت من حدث الخلاف والحرب والدم والنسف والتفجير والكوارث، حدثاً أساسياً ومحورياً في كل من تقدمه للمشاهد والمستمع، حتى صار هذا الخبر هو الغذاء اللحظي لوعي وعين الإنسان، في أي بقعة كانت، مما كرّس ويكرس في قلب ووجدان أجيال ناشئة، حتمية الخلاف والاقتتال، وعادية الاعتداء والقتل، وكأن لون الدم هو لون الحياة، وليس لون الموت والنفي الأبدي!

ما يفترض في الفن أن يكون عوناً للحياة، يقدم حياة مجاورة للواقع، تكون أرحم من الواقع وأقدر على جعل الإنسان يعيش متوازناً مع حياته وظرفه الصعب. إلا أن صناع الفن، والشركات الفنية العابرة للقارات، انجرفت لتكرس العداء والقتل بين البشر، عبر مسلسلات وأفلام، تتخذ من صناعة الموت مادة شيقة لفنها، وتجعل من القاتل بطلاً، حتى على مستوى أفلام الخيال العلمي وأفلام الكارتون، وبما يجعل الطفل يرضع مشهد القتل والدم منذ نعومة أظفاره، فرحمة بالإنسان والحياة يا قساة العالم!

back to top