محادثات السلام... على الأقل لاتزال جارية
يقترح نتنياهو أن تتم عملية بناء المستوطنات الجديدة بطريقة انتقائية، لذلك ينصح بعض وزرائه علناً بحصر كل بناء جديد بالكتل وضواحي القدس اليهودية، لكن عباس، في السيناريو الراهن، سيتجاهل ذلك، كما فعل خلال تفاوضه مع أولمرت.
بعد العرض العظيم لعملية صناعة السلام في العاصمة واشنطن في الثاني من سبتمبر ووضعها في إطارها، التأم القادة الإسرائيليون والفلسطينيون مجدداً هذا الأسبوع للمرة الأولى في شرم الشيخ، أحد المنتجعات المصرية، ومن ثم في القدس لممارسة الألعاب الاعتيادية من الشجار واللوم.ما أفسد الأجواء اقتراب موعد انتهاء قرار إسرائيل تجميد عمليات بناء المستوطنات في نهاية الشهر الحالي، فقد انهال الموفدون الإسرائيليون لدى وصولهم إلى شرم الشيخ بالتوبيخ على الفلسطينيين بسبب سلوكهم غير الدبلوماسي بالتهديد بوقف المحادثات إن استؤنف البناء بالفعل، في المقابل، جادل الفلسطينيون بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يستخدم المفاوضات من أجل إيقاعهم في فخ الإذعان لعمليات بناء إضافية في الأراضي المحتلة.
مع ذلك، نجح المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشيل، في توجيه الطرفين نحو نقاش قيّم حول القضايا، فضلاً عن أن وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، هبّت للمساعدة. بنتيجة الأمر، تضمّنت بياناتهما الرسمية ما يدعو إلى الأمل. يقول ميتشيل إن الطرفين سيعملان على اتفاق إطار لتسوية وضع فلسطين الدائم، الذي لايزال نتنياهو يصر على أنه قابل للإنجاز في غضون عام.جرى الحديث أيضاً عن اتفاق لحل خلافاتهما حول المستوطنات: سيوافق نتنياهو بموجب ذلك على إجراء مفاوضات بشأن الحدود المستقبلية للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية لقاء تغاضي الفلسطينيين عن إحدى الصيغ الخاصة ببناء المستوطنات.من جهتهم، سيرغب الأميركيون في الوقوف على اتفاق سريع حول الحدود من شأنه على حد قول كلينتون "إبطال الجدال حول المستوطنات، لأن بعض المناطق ستكون داخل الأراضي الإسرائيلية وبعضها الآخر لا". قد يكون من المستبعد التوصل إلى اتفاق سريع، لكن المقاربة الأميركية تشير إلى إحياء إدارة أوباما، ولو متأخراً، "معايير كلينتون" التي طرحها للمرة الأولى في الأيام الأخيرة من ولايته الرئاسية، ولاقت قبولاً واسعاً منذ ذلك الحين من معظم البلدان الأجنبية باعتبارها صيغةً واقعية لصناعة السلام.في هذا الإطار، ميّز الرئيس كلينتون بشكل أساسي بين "كتل المستوطنات" الكبرى التي بنتها إسرائيل بالقرب من حدود ما قبل عام 1967 والمستوطنات الأبعد المشيدة داخل الأراضي الفلسطينية، واقترح إلحاق إسرائيل "الكتل" بأراضيها والتعويض على دولة فلسطين الجديدة بأراض أخرى غير مُستوطَنة، وإزالة المستوطنات الأخرى. كذلك طرح النموذج عينه في ما يتعلق بالقدس، أي ستُرفق الضواحي التي بنتها إسرائيل بعد عام 1967 بالقدس الغربية، عاصمة إسرائيل، بينما ستشكّل القطاعات العربية في المدينة عاصمة فلسطين، مع إخضاع الأماكن المقدسة جميعها لنظام حكم خاص. قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك (الذي أصبح اليوم وزير الدفاع النافذ في حكومة نتنياهو) بالاتفاق، لكن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لم يستطع القبول به.صادق الرئيس بوش من جهته على تلك الرؤية التي شكّلت أساساً للمفاوضات بين عباس وسلف نتنياهو كرئيس للوزراء، إيهود أولمرت، في عام 2007. بالرغم من أن نتنياهو ينتقل بحذر، في نظر البعض، من الفكر العقائدي إلى البراغماتي، فإنه لم يتبن بعد الفكر الأخير، لكنه يقترح هو أيضاً أن تتم عملية بناء المستوطنات الجديدة بطريقة انتقائية، لذلك ينصح بعض وزرائه علناً بحصر كل بناء جديد بالكتل وضواحي القدس اليهودية. لكن عباس، في السيناريو الراهن، سيتجاهل ذلك، كما فعل خلال تفاوضه مع أولمرت.في المقابل، يقول قادة المستوطنين والأعضاء المتشددون في تحالف نتنياهو إن ذلك سيشكّل بداية نهاية حلمهم بإقامة دولة إسرائيل الكبرى، لأن المستوطنات الخارجة عن الاتفاق سيكون مصيرها الذبول والفناء، على حد تعبير سيلفان شالوم، أحد نواب رئيس الوزراء من حزب الليكود وعدو قديم لرئيس الوزراء. قال هذا الأخير: "لم علينا التنازل عنها اليوم؟ لا بل لمَ علينا التنازل عنها كلها على نحو مطلق؟".يشكّل وزير الخارجية وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، وبيني بيغين، وزير من دون حقيبة، بشكل خاص عنصرين حساسين في حسابات نتنياهو السياسية. بصفته ابن الراحل مناحيم بيغين، الذي تولى رئاسة الوزراء من عام 1977 حتى عام 1983، يحظى بيني بتقدير كبير في أوساط الليكود، فقد أيّد كلا الرجلين استئناف عملية بناء مفتوحة للمستوطنات كافة.لا يحب نتنياهو خسارة أي من الشركاء في تحالفه ويرفض إثارة شقاق بين أعضاء حزب الليكود الذي يرأسه، لكنه في النهاية يتمتع بسطوة أكبر من المتشددين، لأن النواب لا يدعمون أي مرشح بديل لرئاسة الوزراء غير نتنياهو. وإن انسحب المتشددون من الحكومة بسبب ظهور تقدم في محادثات السلام، فسيولّد ذلك بحد ذاته ضغطاً جسيماً على تسيبي ليفني وحزب كاديما الذي تتزعمه للانضمام إلى حكومة نتنياهو والحلول محلّهم. لكن في الوقت الراهن، قد يدفع ذلك بالمتشددين إلى العضّ على كبريائهم والانتظار من دون الإتيان بأي حركة.