على مدى يومين متواصلين أسهب عدد كبير جداً من النواب في التعليق على الخطاب الأميري في مجلس الأمة، وكالعادة فإن ما أخذ الزخم الإعلامي ليس فقط مداخلات بعض النواب إنما بضع كلمات منهم ومن خلال نقاط النظام والتعليقات الاعتراضية في معظم الأحيان.

Ad

وهذا الجدل العابر مع الأسف هو الذي تحول إلى حديث الدواوين وتعليقات كتاب الزوايا ومانشيتات الصحف والرسائل القصيرة، أما في المنتديات الإلكترونية فحدث ولا حرج، لدرجة أن من يتابع الجلسة الأولى لدور الانعقاد الجديد يشعر بأنها كانت جلسة ردح لا غير!

نعم شهدت هذه الجلسة مناوشات وتلاسناً وعبارات حادة وجارحة، بعضها بعيد عن أدب الحوار، ولكن من يفرغ مجمل مداخلات حوالي خمسة وثلاثين نائباً يجد أنها غطت مختلف المشاكل والهموم وطرحت الكثير من الأفكار والحلول وشخّصت وبشكل دقيق أوجه القصور والخلل، بل التجاوزات الخطيرة في الممارسات الحكومية التي تحتاج بالفعل إلى مزيد من الجهد والتنسيق والمتابعة لاحتوائها ومعالجتها.

ولذا يبقى الرهان على ذلك بيد النواب بالدرجة الأولى وناخبيهم من الشعب بعد ذلك لاختيار المسلك القادم، فإما الانجرار مع المانشيتات والخلافات الشخصية ومواصلة الردح أو التفرغ للتصدي لما تم طرحه من قضايا في غاية الأهمية والخطورة سواء ما يتعلق بالتعليم والصحة أو الإسكان والتنمية أو آلية شغل الوظائف القيادية العامة أو حماية الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي، والخيار الثاني لا شك أنه يعتمد على الترفع عن المهاترات الشخصية لضمان الأغلبية اللازمة لتمرير الحلول، تشريعية كانت أم رقابية.

وقد تكون للخلافات الشخصية دوافعها الخاصة، وما تختزنه القلوب من عقد ورواسب وأمراض مزمنة من الصعب علاجها وإبراؤها تماماً، خصوصا ما يتعلق بالبعد الطائفي والقبلي والفئوي، ولكن المنطق والتجربة العلمية وجميع الشواهد تثبت أن إثارة مثل هذه القضايا سوف تستمر في الدوران في دائرة مفرغة لا تقدم ولا تؤخر، ولن تصل في نهاية المطاف إلى أي نتيجة سوى إطفاء الغليل الداخلي مؤقتاً والذي سرعان ما يتوقد من جديد بسبب ردود أفعال أو تحرشات من قبل الأطراف الأخرى.

وكشاهد على المداخلات النيابية خلال اليومين الماضيين فقد ازداد يقيني وترسخت قناعتي في شيء واحد لا غير، وهو أن المعارك الجانبية ومحاولات إشغال الرأي العام بقضايا هامشية ومعارك جانبية خطيرة مبنية على نيران الفتنة سواء كانت بقصد أو من دون قصد، وسواء كانت عن دراسة وخباثة أو جهل وسذاجة، الهدف منها فقط هو التغطية على جرائم منظمة لتهب الملايين، والأمثلة التي ساقها النواب على هذه الفضائح خير دليل على ذلك.

فبينما ينشغل البعض من الأعضاء بتبادل التهم أيهما "التبع والعصعص"، أو أيهما "الأصيل والبيسري"، وأيهما الأكثر تطرفاً السني أو الشيعي، وبينما يغرق البعض الآخر في متابعة قضايا مثل القروض أو زيادة الأسعار أو إيجاد فرصة عمل لخريج جامعي، وبينما تنجر الساحة الشعبية وراء هذه المشاهد، فإن هناك من ينجح في الاستحواذ على أراضي الدولة من خارج التنظيم، وهناك من يفتح سوق الدلالة في الشاليهات والقسائم الصناعية، وهناك من يتاجر بأراضي أملاك الدولة المخصصة لصغار الحرفيين، وهناك من يبيع طائراته الخردة على وزارة الدفاع والديوان الأميري بمئات الملايين، وأمام حكومة لا حول لها ولا قوة ولكنها متمتعة بأغلبية برلمانية مرحة!