على الرغم من أن الناس يدركون الحقيقة بشكل كبير، فتراها منطبعة في حكمهم وأمثالهم ومقولاتهم، فهم يقولون «دوام الحال من المحال»، و«لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك»، وغير ذلك من الحكم والأمثال الكثيرة الأخرى، فإنهم حين يوضعون على محك التعامل الحقيقي مع هذه السنّة الكونية تجدهم ينقسمون. الثابت الوحيد في الكون هو التغير والتحول واللاثبات, وهذا الأمر يسري على كل النواحي المادية وغير المادية، فلا الأرض ثابتة ولا السماء ثابتة ولا الإنسان في صحته أو في علاقاته أو في مستوياته النفسية ثابت, بل كل شيء فيه ومن حوله متحول بشكل مستمر لا يتوقف.

Ad

وعلى الرغم من أن الناس يدركون هذه الحقيقة بشكل كبير، فتراها منطبعة في حكمهم وأمثالهم ومقولاتهم، فهم يقولون «دوام الحال من المحال»، و»لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك»، و»ليس للدنيا ثبوت»، و»الدهر يومان يوم لك ويوم عليك»، وغير ذلك من الحكم والأمثال الكثيرة الأخرى، فإنهم حين يوضعون على محك التعامل الحقيقي مع هذه السنّة الكونية تجدهم ينقسمون إلى أربعة أصناف:

(1) صنف يرفض ويقاوم التغيير بشكل كبير, وقد يتخذ رفضه أشكالاً عديدة منها إحساسه بالضياع لتراه هائماً على وجهه ضائعاً أو أن يتمسك بالماضي بعناد، فيصر على الثبات والجمود كعمود مغروس في الأرض، أو أن يقاوم الجديد ويناطحه كتيس يناطح صخرة!

(2) وصنف قد يرفض التغيير في البداية فيعيش في فترة من اللا تقبل والرفض قد تطول أو تقصر بحسب الظروف، ولكنه سرعان ما يتجاوز تلك المرحلة المضطربة حين يتيقن أن ما مضى قد ولى فلا يجد مناصاً من أن يقدم على الحاضر ويترك العناد الذي لا يجدي نفعا.

(3) وصنف ثالث مؤمن دوما بأن التحول أساس الأشياء، لذا فعينه ترقب الحاضر والمستقبل مستشعرة التغيرات وهي تقترب, وهذا الصنف على قدرة عالية للتكيف والتعايش مع الجديد حين حصوله، لأنه قادر على استجلاء إيجابياته مهما كانت صغيرة بل استثمارها وتنميتها، بل إن البعض من هذا الصنف يكون قادراً على الاستمتاع بعملية التغيير نفسها وهي تطرأ لإيمانه أنها تسهم في بنائه.

(4) والصنف الرابع، صنف لا يملك القدرة على استشعار التغيرات ولكنه رغم هذا لا يضيّع وقته بالتردد أو المقاومة حال حصول التغيرات، بل ينطلق نحو التعامل والتأقلم معها بروح نشطة وثابة.

هذه الأصناف تمثل الأنماط البشرية وتعبر عن الأشكال الرئيسة لأساليب التعامل البشري مع الحياة، فلينظر كل منا إلى نفسه وليتعرف على موقعه على هذه الخريطة.

***

كان الناس في زمن الحجاج يتساءلون إذا تلاقوا: من قُتل البارحة ومن صُلب ومن جُلد، وكان الوليد بن عبدالملك صاحب ضياع ومصانع، فكان الناس يتساءلون في زمانه عن البنيان والمصانع وشق الأنهار وغرس الأشجار، ولما وُلي سليمان بن عبدالملك كان صاحب قيان، فكان الناس يتحدثون ويتساءلون في الأطعمة الرفيعة وفي أخبار القيان والسراري ويعمر مجالسهم بذكرهن، ولما ارتقى عمر بن عبدالعزيز الخلافة كان الناس يتساءلون كم تحفظ من القرآن، وكم وردك كل ليلة، وكم يحفظ فلان وكم يصوم في الشهر؟... صدق من قال: إن الناس على دين ملوكهم!