كنت أتابع منذ أعوام إصدارات الروائي الكويتي عبدالعزيز محمد عبدالله، الذي أصدر عدة أعمال بينها ثلاث روايات في ثلاث سنوات متتالية، أي بمعدل رواية كل سنة، وهي: «كنز وغيوم في السماء» 2003، «حيث لا شيء» و»عندما في الأسفل»، وأهدى إحدى رواياته إلى «الرفاق في ملتقى الثلاثاء الأدبي».

Ad

لست هنا في صدد تحليل هذه الأعمال أو تناول محتواها، ولكن المهم هو حالة إبداعية- حياتية تكتنف عبدالعزيز ومثله الكثير ممن نرى لهم أعمالاً تطبع بوتيرة متسارعة وجهد فردي مضن من دون أن نلحظ لهم حضوراً فعلياً على صفحات الثقافة في الكويت، سواء من خلال الكتابة أو اللقاءات الصحافية التي تبرز جوانب مختفية من حياتهم، كان عبدالعزيز يدأب على نشر كتبه في دار قرطاس، وبالطبع من جيبه الخاص من دون أن يجد أي مردود من وراء مؤلفاته، وهي عملية مكلفة إذا ما علمنا أن سعر الطباعة في الكويت يكاد يكون ضعف الطباعة في بيروت، مثلاً.

يلتقي مع عبدالعزيز كاتب آخر هو محمد قاسم الحداد الذي أصدر كُتيباً صغير الحجم يحوي نصوصاً أدبية، وأتبعه بكتاب آخر أرى أنه الأهم في التجربة وهو كتاب «الفطم والكتابة» الذي اشترك فيه الحداد مع عبدالعزيز في تجربة تتماهى فيها الفلسفة مع الفكر مع النفحة الشعرية، الكتاب صادر عن ورشة السهروردي الفلسفية. تجربة هذا الكتاب برأيي الخاص كان ينبغي ألا تمر مرور الكرام لأن النصوص مختلفة يتلاقى فيها التاريخ والأسطورة والتشكيل، عبر مقتسم لممرين يفضي أحدهما إلى الشعر، والآخر إلى النثر، شخصيا كتبت مقالاً بعد صدور هذا الكتاب سنة 2005، ودعوت قبل عامين تقريباً عبدالعزيز الحداد إلى إجراء حوار بشأن الكتاب، وتجربة الشباب في الكتابة عموماً، رحب الحداد في بادئ الأمر بالفكرة، وأعددت له الأسئلة المناسبة، ولكنني فوجئت بعد ساعة من لقائي معه وعبر مكالمة هاتفية يعتذر عن عدم اللقاء برمته. احترمت اختياره، وقلت لعل له فلسفته الخاصة في ما يتعلق بالظهور الإعلامي، أو هو رافض لمبدأ اللقاءات الصحافية، ولكن السؤال الذي يدور الآن هو كيف يكون السبيل لتسليط الضوء على تجربة هؤلاء الشباب في حال اختاروا العزلة بملء إرادتهم، الأمر قد يكون مؤسفاً لأن النصوص التي يكتبها هؤلاء لم تعد ملكاً لهم بعد النشر، ومن حقنا قراء ومتابعين أن نتحاور بشأنها، ليس بالضرورة إصدار أحكام قيمة، وإنما المهم مقاربة حالة الكتابة والتعايش معها.

غير بعيد عن الحداد وعبدالعزيز نجد شاعراً آخر يحظى بتجربة تستحق التأمل، وهو الشاعر علي حسين الفيلكاوي الذي أصدر قبل سنتين ديوان «أنت أيضاً وداعاً» في تجربة لقصيدة النثر تكاد تكون جديدة على الساحة المحلية. كنت استطعت اقتناص فرصة لإجراء حوار معه بشأن الديوان، وكان اللقاء منفتحاً على العديد من القضايا الشعرية المعاصرة، وكذلك فإن ملتقى الثلاثاء الثقافي عقد أمسية احتفائية بالديوان، لم يحضرها الفيلكاوي، الذي استمر بعد ذلك في ممارسة هوايته الخاصة بالعزلة، وربما الكتابة بعيداً عن الأضواء.

هذه الأصوات الثلاثة التي ذكرتها لكل منها تجربة خاصة، سواء في حقل الفلسفة، أو الشعر المختلف، أو الكتابة الروائية، من أجل الكتابة فقط ولا غير. وثمة آخرون كثر اختاروا العزلة بمحض إرادتهم، ولكن الحراك الثقافي المحلي بجاجة إليهم بكل تأكيد.