* عندما يؤكد نجاد عشية زيارته لدمشق في طريقه إلى نيويورك أن بلاده «في تنسيق وتناغم كامل ومستمر مع القيادة السورية في ملفات فلسطين ولبنان والعراق» يبدو لنا المشروع الأميركي الصهيوني المدعوم من المحور «الاعتدالي» «العربي» والقاضي بفك عرى تحالف ما بات يعرف بالمحور السوري الإيراني جثة هامدة أكثر من أي وقت مضى.
لا بل إن التطورات الإقليمية والدولية المحيطة بهذا المحور تؤكد بالأرقام والوقائع أن هذا المحور ليس فقط في طريقه إلى مزيد من التنسيق والتناغم, بل في طريقه إلى مزيد من التوسع والتدعيم وازدياد في القوة والعنفوان.فإيران تخطت عقبة الدولة النووية الكاملة الحقوق والواجبات، وهي في طريقها إلى الإعلان عن «إنجازات مفرحة» كما ورد على لسان مساعد رئيس هيئة الطاقة النووية الإيرانية ما قد يجعل عملية التبادل النووي برمتها مع الغرب في خبر كان، إذ وكما تشير المعلومات المتسربة من مطبخ التخصيب النووي فإن الربيع المقبل سيشهد انتهاء إيران من إنتاجها الكمية اللازمة من الوقود النووي العالي التخصيب اللازم للاستمرار في عمل مفاعل طهران للأغراض الطبية.هذا فيما تظهر فيه طهران مجددا وكأنها العاصمة «اللازمة» والشريك الفاعل المطلوب لأي حل دولي مرتقب لأي من الملفات الأساسية الساخنة في ظل مظاهر دبلوماسية أحمدي نجاد «الإخمينية»، نسبة إلى العهد الإخميني الذي احتفل به الرئيس أخيرا في مظاهرة إعلامية محسوبة أشادت بشكل متميز بمنشور حريات كوروش «ذو القرنين» التي تم تدوينها على بوابات عاصمة العراق القديم أيام الأسر البابلي لليهود!هذا فيما تبدو سورية غداة زيارة نجاد لها وكأنها في عز أيام الراحل حافظ الأسد صاحب مشروع التحالف الاستراتيجي مع الثورة الإسلامية الإيرانية، وهي تمسك مجددا بالأوراق الفلسطينية واللبنانية والعراقية بإحكام وتنسيق، و»تطويب» إيراني لافت فيه الكثير من الحنكة والدراية الفارسية القديمة والمتجددة.هذا ناهيك عن «لازمة» زيارة دمشق لأي مبعوث دولي أو غربي عموما يفكر في البحث عن حلول لأي من القضايا العربية الساخنة.في التجارة والاقتصاد أيضا الأمر ليس كما يتصوره البعض، فلا سكان إيران يعانون مرارة حصار ولا الشعب الإيراني أثرت فيه الحرب النفسية الإلكترونية ولا جيران إيران شددوا من حصارهم على الشقيقة الجارة بل العكس تماما، فها هي دمشق توقع اتفاقية التجارة الحرة مع طهران، وها هي العاصمة التركية تقرر على لسان أردوغان رفع التبادل التجاري مع العاصمة الإيرانية إلى ثلاثة أضعاف، وها هي طهران تعلن توصلها للاكتفاء الذاتي من مادة البنزين التي لطالما روجت بعض قوى المعارضة الشاهنشاهية بأنها هي التي ستكسر إرادة نظام الحكم الإسلامي، وأما قصة البنوك والعمليات المالية المعقدة فإن دعوة القيادة العليا في طهران لكبار المسؤولين وللشعب إلى ما سمته «بالالتفاف على الحصار وبالاقتصاد المقاوم» بدأت تؤتي ثمارها من خلال زيادة ملحوظة في التبادل التجاري بنسبة الثلث رغم الضغوط الغربية الهائلة.وأما في العسكر والتسلح فها هي روسيا تفكر ألف مرة قبل أن تلغي قرار تسليم إيران صواريخ إس 300 فيما تقرر تسليم دمشق الحليفة الاستراتيجية لطهران ولحزب الله اللبناني صواريخ ياخنوت أرض بحر المتطورة والبالغة الدقة، رغم اعتراض تل أبيب وواشنطن.هذا ناهيك عن تسارع التقدم المذهل لإيران سواء على مستوى الصناعات الصاروخية أو مستوى الأسلحة البحرية أو الحرب الإلكترونية المتطورة، ناهيك عن سائر مجالات التسلح الجوية من طائرات متطورة بدون طيار –كرار– إلى منظومات دفاع جوي متطورة لا تقل أهمية عن منظومات الدفاع الجوي للدول المتقدمة في هذا المجال.وأما في لبنان وفلسطين حيث المعركة الميدانية الأساسية بين مشروع المقاومة المدعوم من المحور السوري الإيراني وبين مشروع «الشرق الأوسط الكبير» السيئ الصيت فإن عقارب الساعة بدأت تدور على غير ما تشتهي قوى الاستقواء بـ»الانتداب الديمقراطي» الغربي، حيث تشهد الساحتان مؤشرات سقوط الانقلابيين واحتمال تقديمهم لمحاكمات شعبية قريبة تطيح بما تبقى من حلم الغرب بكسر شوكة المقاومين.وبتحديد أكثر نقول إن لبنان يتجه سريعا إلى إعادة النظر بكل ما ترتب على مؤامرة اغتيال رئيس وزرائه رفيق الحريري قبل نحو خمس سنوات، وتاليا رفع الظلم والحيف على كل من لفقت لهم التهم مقابل محاكمة ومعاقبة المتورطين الحقيقيين بهذه المؤامرة الدولية.مؤامرة المفاوضات المباشرة بدورها، والتي استهدفت شعب عموم فلسطين من النهر إلى البحر، لن تجر على المتورطين فيها من فلسطينيين أو»عرب اعتداليين» سوى المزيد من الفشل والإحباط في وقت تتحدث فيه المصادر المطلعة على الساحة الفلسطينية بقرب اندلاع انتفاضة من نوع جديد هذه المرة، ألا وهي انتفاضة فتحاوية، نعم فتحاوية على سلطة أوسلو وتركيبتها الاستسلامية، والكلام منسوب إلى دوائر فتحاوية عريقة تتبرأ كل صباح مما يجري باسمها وتدفع كفارة ما يدون في سجل أعمالها زورا وبهتانا على حد قول أحد كبار الفتحاويين المؤسسين.هذه وغيرها من الملفات وليس أقلها المخرج الملائم لمعضلة رأس السلطة في العراق هي بالتأكيد من أهم محاور التنسيق والتشاور والتناغم المستمر بين دمشق وطهران، ومن يحلم بغير ذلك فهو أمي بالسياسة ناهيك عن أميته التي لا تقبل الترديد بالجغرافيا كما بالتاريخ فضلا عن الإنتروبولوجيا.* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني
مقالات
العروة السورية - الايرانية الوثقى
20-09-2010