في عمل لهنري ميلر وهو قصة قصيرة «ابتسامة عند قدم السلم» يتحدث ميلر عن مهرج حقق شهرة كبيرة ليعيد اكتشاف نفسه. يقول أوغست المهرج «إن المهرج لا يكون سعيداً إلا إذا كان شخصاً آخر، لا أريد أن أكون سوى نفسي»، لكن الآخر لا يريد أن يفهم هذا ببساطة، وكانت هذه القصة المتفردة خرجت من لا وعي هنري ميلر بعد أن رأى وأعجب بعدد من أعمال الفنانين الكبار أحدهم خوان ميرو ولوحته «كلب ينبح في وجه القمر»، إن أي عمل فني أو أدبي قد يرحّل إلى المستقبل، هذا ما تقوله وأنا أتفق معك لكن كيف وعبر منْ؟ الأيقونة السينمائية الروسية اندريه تاركوفسكي في كتابه المهم «النحت في الزمن» يقول كالتالي:

Ad

«كيف يجعل الزمن نفسه محسوساً في اللقطة انه يصبح ملموساً وحقيقياً عندما تشعر بشيء ما مهم، صادق، ذي معنى ويستمر إلى ما بعد الأحداث على الشاشة». ألم يكن تدمير التماثيل القديمة في أفغانستان أو سرقة كنوز المتاحف العراقية إبان الحرب حدثاً خارجاً عن الشاشة؟ من هنا أرى أن كل «التعاون عبر الزمن» قد يحتل من قبل الغوغاء إن لم ننتبه، لقد علمنا هيراقليط أنه لا يمكن أن نستحم في النهر مرتين، ان التعاونيين المستقبليين الذين تذكرهم في رسالتك هم رسل الجمال الذين لا تجدهم إلا نادراً في غابة العولمة هذه، كان نيتشه قد تعاون عبر الزمن في محاورة الفلاسفة الأصليين الماقبل سقراطيين، لقد اكتشف نيتشه جوهر الفلسفة في الذهاب مباشرة إلى بئره الخاصة المتمثلة في نظرة تواطؤ خلاق مع أشباهه، لذلك أنت على حق يا صديقي أن تعاوناً عبر الزمن مع شخصيات كلآن روب غرييه أو بردجانوف، يمثل إشارة جوهرية، لقد شاهدت أفلام هذا الأخير في نيويورك قبل وفاته، وهي أفلام تنطوي على شاعرية وحشية عالية تشبه الأدغال وفي الوقت نفسه تضيء حيز التاريخ والجغرافيا وتمد المتلقي النوعي بقوة عنصر الحدس، لهذا من الطبيعي في رأيي أنه لا يكتب الفلاسفة والكتاب عن الروايات التسلسلية الرديئة والمملة، لأن هذا من شأنه أن يحطم جماليات الوعي بكينونتهم، غير أنك قد تتفق معي أن بودلير القرن التاسع عشرة كتب عن أسلوب الرسام في الحياة الحديثة بذائقة سبقت زمنها، وخُذ مثلاً المقاربة التي اجترحها ميلان كونديرا عن فرانسيس بيكون في دراسته عن الحركة العنيفة للرسال «ذلك لأن كونديرا كان يرى في القرن العشرين مخاوف الإنسان المستقبلية التي رآها بيكون نفسه في الحربين الكونيتين: التمزق الداخلي الهائل الذي عصف بالإنسان وجعل منه مسخاً مشوهاً وهذا يتجلى في لوحاته. وفي اعتقادي أن أعمال بيكون لم تكن بالضرورة بحاجة إلى جماليات برناسية بل إلى واقع قاسٍ الألم عصبه الأول. لقد كتبتُ حول ما يمكن أن نسميه بالتنافذ الخفي بين أعمال أدبية، فنية، مسرحية، سينمائية لأنها تلتقي أو يلتقي كتاب ومخرجو هذه الأعمال فوق عتبة الإبداع.