يأخذ الغرب المتمدن علينا فيما يأخذ، لاسيما الطرف الأميركي منه، أننا لجأنا في سياق الدفاع عن أنفسنا في بلداننا التي ترزح تحت الاحتلال إلى تشكيل «مجموعات مسلحة» خارج نطاق الجيش الرسمي، وبذلك نكون قد خرجنا على «الدولة» التي ننتمي إليها، وانتزعنا منها قرار السلم والحرب الذي يفترض أنه يعود إلى الجيش الرسمي، وبالتالي فإنه يطلق على قوات الدفاع الشعبية تلك الميليشيات الخارجة على القانون، ويحذر دوما في ماكينته الدعائية من خطرها الدائم على السلم والأمن الإقليميين والدوليين.

Ad

نحن بالمقابل نسمي هذا الحراك الشعبي المنظم بـ»المقاومة» ونعتبره، وهو في الواقع كذلك وطبقا لكل الأعراف والقوانين وشرائع الأرض والسماء، أمرا مشروعا لا يتنافى مطلقا مع مهمات جيوش بلادنا الوطنية قوية كانت أم ضعيفة.

وفيما يسمي الغرب السلاح الذي بيد شعبنا بسلاح الميليشيات، فإننا نسميه سلاح المقاومة، ولكن لمن لم يطلع على دستور الولايات المتحدة الأميركية وقوانينها نذكره ولو من باب «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» بأن تشكيل الميليشيات أمر مشرع في حالتين:

الأولى: عند تعرض أمن البلاد إلى خطر أمن قومي فعندها يتم اللجوء إلى تشكيل مجموعات مسلحة– ميليشيا– لمساعدة الجيش الرسمي.

الثانية: في حالة تحول الحكم إلى نظام دكتاتوري فعندها يتم اللجوء إلى نفس الخيار من أجل إعادة الديمقراطية إلى البلاد.

بل إن الأمر في أميركا يذهب إلى أبعد من ذلك، ففي الحروب القومية ومن أجل درء الخطر الأجنبي عن وحدة وانسجام المجتمع لجأت الإدارة الأميركية في عدة حروب إلى تجميع كل من تراهم «خطرا احتماليا» على سير الحرب في معسكرات خاصة إلى حين انتهاء المعارك كما حصل في الحرب العالمية الثانية مثلا مع مواطنيها من أصل ياباني، وكذلك مع بعض ذوي الأصول المكسيكية وغيرهم في حالات أخرى، تحت ذريعة احتمال تعاطفهم مع العدو الخارجي وذلك تحت عنوان «alien act».

هذا من جانب وأما من جانب آخر فإن ثمة ما هو أخطر من هذا مما يتم الحجر عليه وعدم تظهيره في الخطاب السياسي والدعائي اليومي عند فتح المساجلات الغربية معنا حول حقنا في الدفاع عن أنفسنا واسترجاع حقوقنا المغتصبة، ألا وهو موضوع السلاح الأخطر الذي يملكه الغرب زورا وبقوة معادلة المنتصرين في الحربين العالميتين؛ ألا وهو «سلاح القرارات الدولية».

فبهذا السلاح الأخطر شطبوا في لحظة غفلة من شعوبنا وحكامنا وتواطؤ دولي مريب واحدة من أهم وأخطر مواقع خريطتنا الجيو سياسية والجيواستراتيجية، ألا وهي دولة فلسطين التاريخية.

ألم يحصل هذا بسلاح القرارات الدولية الظالمة والمجحفة هكذا وبجرة قلم واحدة؟! ألم يحصل مثل هذا من قبل مع الجزائر درة المغرب العربي والإسلامي بلد المليون شهيد؟! ألم يحصل ما يشابهه في الخطورة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عندما مزقوا الوطن العربي إلى أكثر من عشرين جزءا وأخضعوا بقوة السلاح الاستعماري الاحتلالي وسلاح الميليشيات الصهيونية عدداً من دولنا إلى بلدان تحت الانتداب؟! ألم يحصل عشرات المرات مثل هذا في إطار قرارات تسمى دولية، وهي في الواقع صهيونية تم فرضها فرضا على المجتمع الدولي لتثبيت ما هو باطل أصلاً، ألا وهو الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية؟!

ألم يحصل مثل هذا في فرض حصار ظالم على ليبيا، ومن ثم حصار ظالم آخر على العراق طال أوليات وضروريات العيش الابتدائي للملايين من أبناء هذين الشعبين الشقيقين؟! ألم يحصل مثل هذا على بلد إسلامي فقير مثل أفغانستان كان اسمه نورسستان يوما ما حتى صار اسمه ظلامستان بسبب حروب الدمار الشامل الذي تشن عليه تحت غطاء القرارات الدولية وبذريعة مكافحة الإرهاب والبحث عن الإرهابيين؟! ألم يحصل مثل هذا مترافقا بحروب إبادة جماعية مع العراق المظلوم والجريح والمستنزف بذريعة وجود أسلحة دمار شامل خجل منها حتى كولن باول وصرح بأنها ستبقى وصمة عار في جبينه ما دام حيا؟!

ثم ألا يحصل مثل هذا الآن مع غزة هاشم وكأننا عدنا إلى زمن الجاهلية الأولى، وتحت غطاء قرارات دولية ظالمة يشارك فيها حتى بعض أبناء جلدتنا؟!

وأخيرا وليس آخرا ألا يحصل الآن مثل هذا ضد شعبنا الحر والأبي في لبنان وتحت ظلال سيفي القرار 1701 وقرار تشكيل المحكمة الدولية، وهو ما يسعى البعض الآن إلى نقل مستوى تعسفها إلى الفصل السابع من أجل إكمال طوق الحصار على المقاومة الشعبية التي باتت تمثل إرادة أكثرية الشعب اللبناني الطامح لانتزاع قراره المستقل من أنياب مروجي سلاح القرارات الدولية؟!

وبعد ذلك كله هل يحق لهم فعلا مطالبة إيران وسورية بوقف دعم «حزب الله» و»حماس» وغيرهما من منظمات المقاومة الشعبية المشروعة باعتبار أن سلاح المقاومة هذا خارج الشرعية الدولية؟!!

إنه كلام هراء في هراء ولا يستند سوى إلى مثلث التحالف الدولي غير المقدس بين سلطات الثروة والقوة والخداع، والذي يتكثف اليوم متمظهرا فيما بات يعرف بسلاح القرارات الدولية!

والآن نسأل كل مواطن حر شريف في العالم أجمع: ما السلاح الأخطر على الأمن والسلام الدوليين، سلاح المقاومة الذي هو سلاح مجموعات شعبية تبحث من خلاله عن حرياتها وحقوقها واستقلال بلدانها أم سلاح القرارات الدولية الذي بات أشبه بسيف الطغيان الدولي القادر على شطب خرائط شعوب وأمم من وجه البسيطة ومن خرائط الجغرافيا والتاريخ الرسمي لمجرد تمسكها بالاستقلال الناجز؟!

سؤال هو أيضا برسم من تبقى من أصحاب الضمائر الحية في مجتمع ما يطلق عليه بالمجتمع الدولي زورا وبهتانا!!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني