بحسب الخبر الذي نشرته صحيفة "الفاينانشال تايمز" الأسبوع المنصرم فإن 123 مليار دولار أي 12% من الدخل النفطي لأربع دول خليج (السعودية والإمارات وعمان والكويت) سيذهب حتى عام 2014 إلى مصانع الأسلحة الأميركية مقابل صفقات أسلحة جديدة تعتبر الأضخم منذ الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، بل قيل إنها الأضخم في تاريخ صفقات شراء الأسلحة!
وغني عن البيان أن سباق التسلح في منطقة الخليج سيؤدي من دون أدنى شك إلى استنزاف ثروات شعوبها في شراء أسلحة تكدس في المخازن (السعودية 67.78 مليار دولار، والإمارات 35.64 مليار دولار، وعمان 12.34 مليار دولار، والكويت 7.1 مليارات دولار) بينما تتزايد معدلات البطالة سنوياً بين صفوف مواطني هذه الدول وينتشر الفقر وتتردى مستويات الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية وتتخلف البنى التحتية وينتشر التخلف الفكري والمعرفي.ويزداد الأمر غرابة إذا ما عرفنا أن الغرض المعلن من صفقة الأسلحة الأضخم على مستوى العالم هو حماية دول الخليج العربية من الخطر الإيراني الذي عملت الآلة الإعلامية الغربية عموماً والأميركية خصوصاً، على تضخيمه بدرجة مبالغ فيها جداً كما فعلت في السابق إبان حكم الطاغية صدام عندما ضخمت الخطر العراقي، مدعية أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل تبين لاحقاً أنه لا وجود لها على أرض الواقع.من زاوية أخرى، دعونا نفترض أن هناك خطراً خارجياً محتملاً، وهو أمر غير مستبعد تماماً في ظل استمرار فشل السياسات الأميركية في المنطقة، خصوصاً الخطر الإيراني في حالة تعرض إيران لهجوم أميركي أو إسرائيلي، ثم دعونا نتفق أنه من حق أي دولة أن تعمل باستمرار على تعزيز قدراتها الدفاعية... لكن، مع كل ذلك، يبقى السؤال: ترى هل يتناسب الحجم الضخم جداً لصفقات الأسلحة المزمع شراؤها مع نوعية الخطر المحتمل؟ألا تكفي مثلاً أنظمة صواريخ باتريوت الدفاعية التي وقعت عقودها الكويت والإمارات في صد أي هجوم إيراني محتمل؟ أضف إلى ذلك أن بعض دول الخليج العربية مثل الكويت ترتبط بمعاهدات حماية مع أميركا (معاهدة سوفا SOFA)، فما الفائدة يا ترى من هذه المعاهدة التي تكلف مبالغ طائلة هي الأخرى تقتطع من الميزانية العامة للدولة إذا كانت لا تحقق الهدف المرجو منها؟قصارى القول إنه من الواضح جداً أن الهدف غير المعلن من صفقات الأسلحة الضخمة التي فضحتها "الفاينانشال تايمز"، هو أن الولايات المتحدة الأميركية تحاول حل جزء من أزمتها الاقتصادية والمالية المستمرة، وكما قالت الصحيفة البريطانية، فإن الصفقات الجديدة "ستعطي دفعة لصناعة السلاح الأميركي"!لكن من المؤلم أن ذلك سيكون على حساب مصالح دول المنطقة وشعوبها لأنه من المعروف أن سباق التسلح المجنون سيلتهم ثرواتنا الوطنية ويجعلنا في رعب وخوف دائمين من أن هناك خطراً خارجياً يتهددنا في الوقت الذي نحن فيه في أمسّ الحاجة إلى السلم، واستثمار ثرواتنا الوطنية في التنمية المستدامة التي ستؤدي إلى تحسين ظروف معيشتنا وتطوير مجتمعاتنا.
مقالات
سباق التسلح يستنزف المال العام
29-09-2010