غريب أمر الصمت الذي يلوذ به الباحث الجزائري حفناوي بعلي، بعد حصول كتابه «مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن» على جائزة زائد للكتاب عن عام 2010، وسحبها منه بعدما يربو على ثمانية أشهر، وذلك على إثر القضية/ الفضيحة في ما يتعلق بسطوه على كتب لباحثين آخرين، أبرزهم الدكتور عبدالله الغذامي وعزالدين المناصرة.

Ad

اتخذت القضية أبعاداً أخرى منذ أن أثارها الباحث والكاتب الصحافي عبدالله السمطي، وخصص لها التلفزيون السعودي «القناة الثقافية» حلقة نقاشية، وأصبح النقاش متعلقاً بلجان الجوائز الأدبية، ذلك بعدما تبين أن الناقد السعودي عبدالله الغذامي عضو اللجنة الاستشارية في الجائزة هو أحد الضحايا، فقد سطا الباحث بعلي على صفحات كاملة من كتابه الشهير «النقد الثقافي» دون إشارة إلى المرجع. وكان الغذامي شجاعاً في الموقف الذي بادر إليه سريعاً بالاستقالة من اللجنة الاستشارية للجائزة، فهو أحد محكميها، وضحية لها في الوقت ذاته، وكان موقف الغذامي هذا ينبع من قناعته بعدم المقدرة على أن يكون «خصماً وحكماً» في الوقت ذاته. أعلن الغذامي تحمله المسؤولية الأخلاقية في ما يتعلق بمنح الجائزة لكتاب مسروق، عبارة عن تلفيق «قص ولصق» لأبحاث آخرين.

أجد الآن الوقت مواتياً لمحاكمة لجان التحكيم في الجوائز العربية، وآلية منح الجائزة. الناقد عزالدين المناصرة أحد الباحثين المهمين في ما يتعلق بموضوع «النقد الثقافي المقارن» أشار في بيان صحافي له إلى أن لجان التحكيم في الجوائز العربية يجب أن تلجأ إلى القراءة الفاحصة لكل كتاب مرشح لنيل جائزة ما، وألا يكون دورها مجرد تصفح الكتاب، والنظر إلى «عنوانه البراق»، وحرف «الدال» الذي يسبق اسم مؤلفه، ثم تمنح له الجائزة.

وبالطبع لا نريد أن نتحدث عن مؤامرات، أو ترضيات في منح الجوائز، أو اتباع القسمة المناطقية، للدول التي يتقدم منها الباحثون، فمتى ما أولينا اهتماماً لاسم البلد الذي يحصل منه الفائز على الجائزة دون النظر إلى أهمية الكتاب وأصالته العلمية نكون قد وقعنا في خطأ منهجي.

لم يشأ حفناوي بعلي التعليق على الموضوع، مع أنه مطالب بتفسير كل ما يحدث، ويُقال، فإما أن يفند ما يُدعى عليه، أو أن يعلن للملأ خطأه، ومن ثم الاعتذار للباحثين وعموم القراء، ويبدأ مشواره العلمي بالطريقة الصحيحة «فلكل جواد كبوة»، كما يقول عزالدين المناصرة. والغريب أن حفناوي بعلي أحد تلامذة هذا الأخير، وكان قد التقاه في جامعة «قسنطينة بالجزائر»، فهل يجوز أن يسطو التلميذ على أستاذه؟ الأمر الأكثر سوءاً ادعاء بعلي بأن الدكتور الغذامي قد التقاه على هامش الجائزة، وأثنى على كتابه الفائز بحضور عزالدين المناصرة، مع تأكيدات هذا الأخير بأنه لم يدخل الإمارات قط في حياته. فما مبرر هذا التصريح المكذوب؟

ثمة أسباب أخرى أدت إلى تفاقم هذه المشكلة، أولها أن مجال النقد الثقافي برمته جديد على أبحاثنا الأكاديمية، ولم يبرز فيه سوى قلة يُذكر منهم الغذامي والمناصرة، ولعل هذا الأمر هو ما لفت انتباه لجنة التحكيم وجعلها تتخذ القرار الخطأ بمنح الجائزة لبعلي، وكذلك فإن الخطأ المنهجي الذي يقع فيه الباحثون في الجامعات بعدم التفريق بين الاقتباس النصي، أو أخذ مضمون الفكرة، وفي كلتا الحالتين الباحث مطالب بالإشارة إلى المصدر، مع التشديد على ضرورة وضع علامات التنصيص إن كان النقل حرفياً. هذه بدهيات يعرفها كل من ينتهج طريق الكتابة، ولعله الاستسهال وغياب المحاسبة ما يدفعنا إلى الوقوع في هذا الخطأ. وأخيراً فإن المسؤولية تقع على لجان التحكيم التي لا تجد وقتاً حتى لقراءة الأعمال المرشحة للجوائز، فما بالك بمئات الأعمال التمهيدية.

حسنا فعل الباحث عبدالله السمطي، ومعه القناة الثقافية السعودية من إثارة هذه القضية، وعلى لجنة التحكيم في جائزة زايد للكتاب تقديم تفسير لمنحها هذه الجائزة لكتاب مسروق.