لا هوان لمصر في يوم الامتحان!
- 1 أبدأ بكتابة مقالي هذا قبل شروق شمس يوم السبت (يوم الامتحان العظيم في مصر)، وملايين المصريين (45 مليونا) يتأهبون للمضي إلى صناديق الاقتراع للتصويت بـ»نعم» أو «لا»، على تعديلات دستور 1971 للمواد (75 76- 77- 88- 93- 139- 148- 189-) المطروحة للاستفتاء الشعبي. وأكمل هذا المقال صباح يوم الأحد، وقد أغلقت صناديق الاستفتاء الشعبي استعداداً لإحصاء عدد الأصوات التي قالت بـ»نعم» أو «لا»، ويبدو أن الإقبال كان منقطع النظير، وقال بعض المعلقين، إن مصر لم تشهد طيلة ثلاثين سنة سابقة مثل هذا العدد الضخم من المقترعين، ونحن نقول، إن مصر والعرب معها، لم يشهدوا في تاريخهم هذا العدد الضخم من المقترعين، في أي استفتاء، أو اقتراع، في أي انتخابات، أو في أي مناسبة سياسية طُلب من الجمهور، أن يقول كلمته فيها، وهذا هو النصر الشعبي الديمقراطي، الذي تحقق ليس في مصر وحدها، ولكن في العالم العربي كله.
فلا مبالغة أبداً، إن قلنا هنا إن ما جرى يوم السبت 19/3/2011 كان يوماً تاريخياً مشهوداً، ليس في حياة مصر وحدها، ولكن في حياة الأمة العربية جمعاء، فالعرب لم يشهدوا يوماً كهذا طيلة تاريخهم الممتد لقرون طويلة خلت، فلأول مرة في تاريخ مصر، وتاريخ العرب، يتم استفتاء على تعدل مواد للدستور، بهذه الشفافية، وبهذا النظام المُحكَم، وبهذه النزاهة.- 2 لقد أحجم المصريون والعرب معهم في الماضي، عن الاشتراك في الاقتراع والتصويت على أي قرار، حتى لو كان صحيحاً أو أكيداً، كأن تشرق الشمس من الشرق، وتغرب من الغرب، وأن الأرض كروية... إلخ. نتيجة لما تمَّ في الماضي من تزوير، وتلفيق، وبلطجة، وإعلان نتائج مضحكة، فيها نسبة كبيرة من أصوات الأموات، وأن الأحزاب الحاكمة كانت تنال دائماً نسبة (99.999%) وكذلك الحاكم الذي يقوم يوماً بالترشّح لرئاسة رابعة وخامسة، وهو على حافة قبره، أو يقوم بتعديل الدستور ليكون رئيساً مدى الحياة، وأصبح الرقم (99.999) عقدة نفسية مستحكِمة في نفوس المواطنين العرب، فكرهوا معه الانتخابات، وكرهوا الاقتراع، وأيقنوا أن النتيجة واحدة، ومعروفة، ومقرَرَة منذ البداية، سواء شاركوا في الانتخابات، أم لم يشاركوا، فالتزم المواطنون بيوتهم، وراحوا يراقبون نتائج الانتخابات، ويسخرون، ويضحكون، ولكن من الفقراء– وهم كُثر- من انتظر هذه الانتخابات بفارغ الصبر، فهي مورد رزق له ولعائلته، كثمن للأصوات التي سيدلون بها. كما أن هذه الانتخابات، كانت فرصة ثمينة لتحقيق المطالب بالتوظيف، أو بنيل درجة إدارية، أو بنقل موظفين من الأرياف إلى المدن، إضافة إلى مآرب أخرى. ومن هنا قيل كثيراً، إن الديمقراطية لا تتحقق في المجتمعات الأُميّة، كما لا تتحقق في المجتمعات الفقيرة المتخلفة، التي يُترك فيها الناخب لعبة طيّعة في يد المرشَّح، الذي يستطيع تشكيل رأي الناخب الفقير والأُمي، أو تزويره، كما يشاء.- 3 فلأول مرة في تاريخ مصر الطويل، نرى معارضة قوية، ومنطقية، لنصوص دستورية، يجري الاستفتاء عليها. ولأول مرة كذلك، في تاريخ مصر والعالم العربي، تقوم المعارضة، برفض نصوص دستورية مقتَرحة، دون خوف أو وجل، من سلطة بوليسية تلاحقها، وتعذبها، وتسجنها، لتقول «نعم»، بدلاً من «لا».فالفئات المعارضة للتعديلات الدستورية، قالت في الأمس رأيها المعارض، على شاشات التلفزيون، وفي الإعلام كله، بكل حرية وصراحة، قبل أن تقوله سراً في صناديق الاقتراع، وعلى رأسها «ائتلاف شباب ثورة الغضب 25 يناير»، وكذلك أحزاب المعارضة التقليدية، كحزب «التجمع التقدمي الوحدوي» وحزب «الوفد» و»الجبهة الديمقراطية» وحزب «الغد» وحزب «الكرامة». كذلك هناك شخصيات معروفة معارضة، رفضت هذه التعديلات الدستورية، وأعلنت رأيها بكل صراحة ووضوح، أمثال محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، والمستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض، وحمدين صباحي رئيس حزب «الكرامة» (تحت التأسيس)، وأيمن نور رئيس حزب «الغد».وتتركز معارضة المعارضين للتعديلات الدستورية في مطالبتهم بضرورة إجراء انتخابات رئاسية أولاً، حتى تتوافر للقوى الجديدة إمكانية تنظيم وإنشاء أحزاب تُعبِّر عن مبادئها، والاتصال بالجماهير، بحيث يكون هناك تساوٍ للفرص في خوض الانتخابات البرلمانية، مع القوى التي كانت مُنظمة سابقاً كـ»الحزب الوطني» و»الإخوان المسلمين».- 4 ولكن، ما ذنب المستقبل السياسي المصري، إذا كان المعارضون يعارضون التعديلات الدستورية، لأنهم غير جاهزين الآن، تنظيمياً وسياسياً، لخوض الانتخابات التشريعية القادمة، وبأن الوقت غير كافٍ لهم، لخوض مثل هذه الانتخابات؟ فهذا شأنهم، وهذا خطؤهم، وعليهم تحمُّل مسؤولية هذا الخطأ، وعدم تأخير قطار التنمية والتقدم السياسي المصري من الانطلاق، نتيجة أنهم وصلوا متأخرين إلى محطة القطار، ففاتهم القطار، أما الذين وصلوا (من قال «نعم» للتعديلات الدستورية) في الموعد المحدد، فقد ركبوا القطار الذي سينطلق بهم إلى محطتهم المبتغاة، وكان هذا القطار يتسع لأول مرة إلى 45 مليون راكب، هم عدد الناخبين المقيدين في سجلات الاقتراع، الذي تمّ لأول مرة في تاريخ مصر ببطاقة الرقم القومي، دون تحديد مكان معين للناخب لكي يقترع فيه. وهذا يحدث لأول مرة أيضاً، وما أكثر ما يحدث في مصر الآن لأول مرة، حيث كانت مصر محرومةً، ومحظوراً عليها، ما أُتيح لها اليوم، ولذا، فهي تعيش اليوم في سعادة غامرة، وراحة تامة، فمصر، لا تريد اليوم، كما قال المفكر التونسي العفيف الأخضر في مقاله (هل سيكون خلفاؤكم خيراً منكم) مجتمع المكانة statut ، والوجاهة، والانتساب للأحزاب، والطوائف، أو القبائل التقليدي، بل الانتقال إلى مجتمع الكفاءة mérite الحديث، الوحيد والكفيل بتلبية مطالب تشغيل ملايين الخريجين، ولا تريد مصر بعد اليوم، مجتمع الحرمان السائد بل مجتمعاً متساهلاً permissive، لا يعتقل، أو يجلد عقاباً على الغناء والرقص الجماعيين، ولا تريد مصر بعد اليوم، العقد الاجتماعي الذي وقّعه الآباء الذين تنازلوا عن حرياتهم، مقابل الأمن والازدهار الاقتصادي، أو شيئاً منهما؛ بل تريد مصر منذ اليوم عقداً اجتماعياً جديداً، يُعطي الأمن، والازدهار، والحقوق، والحريات، التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا هو قطار مصر (الديزل) اليوم. فمن جاء في الموعد المحدد ركبه، ومن تأخر فاته، وعليه أن ينتظر قطاراً آخر، ربما يأتي أو لا يأتي!* كاتب أردني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة