كلامك مصفّف يا دكتور

نشر في 28-12-2010
آخر تحديث 28-12-2010 | 00:01
 حسن العيسى ارتدى الزميل والصديق د. علي الطراح لباس العقلانية في حواره  مع النائب عبدالرحمن العنجري على قناة الحرة، والذي نشرته الوطن بالأمس، وظلَّ علي الطراح المدافع "الليبرالي-العقلاني" عن المواقف الحكومية يردِّد عبارات مثل "العقلانية... وعلينا أن نحاول إعادة تقييمنا لهذه التجربة (يقصد التجربة البرلمانية) وبتأنٍّ وعقلانية... وأننا نعيش في مأزق ومشكلة كبيرة... وتخوّفي ليس موضوع الاستجواب لأنه سيُحَل، خصوصاً أن سمو رئيس الوزراء أعلن استعداده الدائم لتحمّل مسؤولياته الدستورية، لكن ما يقلقني هو استمرار مسلسل هذه الأزمات التي ربما تنتهي بشيء لا تُحمَد عقباه، لاسيما في ظل الاضطراب الإقليمي بالمنطقة...!

شكراً للدكتور الطراح على الكلام "المصفّف" المُنمّق، حين يسيل  من أفواه المثقفين "الليبراليين" في دفاعهم المتواصل عن السلطة مهما فعلت ومهما كانت طبيعتها المناقضة للديمقراطية والليبرالية... لكن هذه الليبرالية حين تصبُّ في القالب الكويتي أو ربما الخليجي... فهي تنطق غير متلعثمة بعقدة الأقلية... وليس لهذه الأقلية من حماية غير الالتصاق بالسلطة... ودائما يتردَّد في صدور ليبراليي اليوم صدى صوت "امسك مجنونك لا يجيك الأجن منه"!

ليبرالية الثقافة التعيسة تؤثِر بقاء ما كان على ما كان، ولا ترى غير النصف الفارغ من الكأس... فالمجلس النيابي هو من يقف حجر عثرة في مشوار التنمية، رغم أننا لا نعرف مفهوماً لدى الحكومة عن التنمية، غير تنمية الأسمنت والطوب ومطاعم ومولات الاجترار، حين تكرِّس بفجاجة ثقافة الاستهلاك وتصنيع الملل، والمجلس لا يمثِّل الأمة بل هو مجرد تجمعات قبلية دينية، وكل جماعة فيه "تغنّي على ليلاها"... والمجلس هو المكان الرسمي  لتقنين الواسطة وتمرير معاملات المحسوبيات...! كلام طويل فيه الكثير من الصدق، وفيه أيضاً الأكثر من رصِّ عبارات الظلم للمجلس وقلب الحقائق...  

بدايةً لا أعرف أيَّ عقلانية يقصدها صديقنا علي الطراح التي تملي "التأنّي... وإعادة النظر في تجربتنا"؟... فهل يقصد ترجمة "rational" للتفكير العقلي وأصلها العقل "reason"، مثلما أرادها فيلسوفها "كانت"، بمعنى العقل السَّوي القائم على الظاهرة الطبيعية، أم هناك رؤية أخرى لمثقّفينا، فهي "ظاهرة طبيعية" حين تصادر حريات الناس في التجمعات على خلاف حكم القانون و"العقل"، وهي ظاهرة طبيعية أن يُجلَد ويُضرَب عدد من نواب الأمة وصحافي وأستاذ جامعة ويُزَجُّ بالأخير في السجن بناءً على بلاغ "جريمة مشهودة" شهدها "بصاص" أمني في تجمّع الحربش، وصارت القوات الخاصة حارسة الحريات وحقوق الأفراد...؟!

أيُّ عقلانية هذه وأيُّ ليبرالية تلك...؟ متى قدَّمت الحكومة أو الحكومات السابقة مشروعاً تنموياً حقيقياً يقوم على بناء الإنسان وتكريس التعليم والثقافة والأدب والفن وعارضها نواب الأمة...؟

طبعاً قد يعترض بعض النواب على أيِّ مشروع تقدمي... لكنها السلطة الدائمة التي تمسك بخيوط اللعبة السياسية، تجد أبسط الأعذار في المجلس لخنق  المشروع... وليس هناك أفضل من عبارة "النواب يعارضون"، فهي الحكومة في النهاية وبوزير ليبرالي أحمد الربعي، رحمه الله، التي صادقت وباركت قانون منع الاختلاط في التعليم... وهي حكومة الضوابط الثلاثة عشر ضد البهجة والفرح... ولنا أن نقيس على هذا إلى ما شاء الله...

لنقُل إن نواباً مثل النجمة أسيل العوضي وعبدالرحمن العنجري وصالح الملا وعلي الغانم على سبيل المثال، يقدمون لنا صورة مضيئة وواعية للمواقف التقدمية غير المهادِنة للسلطة حين تحيد عن مهامها، رغم ارتفاع صياح العياب والنقد ضد هؤلاء النجوم من الليبرالية الحضرية العنصرية الزائفة... آسف إن حشرت كلمة "حضرية"، لكن هذا واقعنا المُر فلنقر به علَّ وعسى أن نغيره بالصدق، وكي لا نكون المتّهمين والضحايا في الوقت ذاته لهذه الليبرالية المتعالية الخرقاء.

back to top