لا يستطيع من شاهد احتفال توديع أوبرا ونفري بعد انتهاء برنامجها الجماهيري المعروف، إلا أن يتأثر بمسيرة هذه المرأة الخارقة، التي استطاعت رغم ظروف نشأتها القاسية والبائسة أن تسجل لنفسها هذا الرصيد الهائل من التقدير والحب، ليس بين مواطنيها فحسب، بل على مستوى المشاهدة العالمية لبرنامجها الشهير.

Ad

وأرى أن سر هذه المرأة الناجحة لا يكمن في امتلاكها كارزما الشخصية الإعلامية؛ من حضور وتألق، ومن فهم لمقومات الحوار الناجح، ولمس حقيقي لاهتمامات الناس ومشاكلهم فسحب، بل هناك عناصر إنسانية أخرى دفعت بأوبرا إلى الواجهة، وكرّستها أيقونة عطاء ومشروع تغيير. فمن بين إنجازاتها النبيلة رعايتها للمحتاجين والمستضعفين وطلاب العلم، وحنوها على الفئات المنكوبة والمرضى، ومن تقطعت بهم سبل الحياة وأمثالهم من قليلي الحظ والمال. لقد كانت تصرف بسخاء من مالها الخاص على إنشاء المدارس في إفريقيا، وتتكفّل بالمنح الجامعية للفقراء والمعسرين، وتعوض من يفقدون منازلهم وممتلكاتهم في الكوارث والأعاصير، وتعتني بالطبقات الفقيرة ممن قاسوا ما قاسته حين كانت طفلة تتشبث بتلابيب جدتها وهي تمسح البلاط بحثاً عن كسرة خبز! إضافة إلى خيرات وهبات لا تعلم شمالها ما أنفقت يمينها منها.

أما الإنجاز الآخر لأوبرا ونفري فيتمثل في جهودها الحثيثة لإعلاء شأن المرأة خاصة، بحيث كادت المرأة تكون مشروعها الأهم والأغلى.

وقد يلاحظ من يتابع برنامجها التلفزيوني أنه في عمومه يستهدف فئة النساء، ويبث -من خلال فقراته ومساهمات ضيوفه- الكثير من الرسائل التي تهدف إلى إحاطتهن بالدعم والتوجيه والتنوير، والتوعية بالحقوق، وتقديم الحلول لشتى صنوف معاناتهن ومشاكلهن الأسرية والنفسية. ولطالما أعلنت أوبرا دعمها المطلق لبنات جنسها، وأفصحت عن إيمانها اللامحدود بقدرات المرأة ومواهبها وعطاءاتها، في محاولة منها لدفع المرأة في بلدها وفي العالم نحو تحقيق مزيد من الإنجازات والمعجزات. ولم يخب ظنها في هذا المسعى، فقدمت من خلال برنامجها أهم الشخصيات النسائية الفاعلة في شتى مناحي الحياة، وأضاءت مسيرات حياتهن، ابتداء من هيلاري كلنتون وميشيل أوباما والملكة رانيا، مروراً بنجمات الغناء والسينما والأدب، وانتهاءً بأصغر مجندة في الجيش الأميركي تخدم في أفغانستان أو العراق. ومن بين هؤلاء النسوة جميعاً، كانت هي بحضورها وتفانيها وإيمانها برسالتها الإعلامية والإنسانية تضيف بعداً آخر مضيئاً، حول مدى أهمية المرأة وموقعها المؤثر في المجتمع والحياة.

تواردت على خاطري كل تفاصيل هذه الحكاية عن امرأة سوداء فقيرة، استطاعت أن تجتهد وتغيّر وتضيف، بعد قراءتي خبرا مؤثرا ومؤلما عن ما يحدث للمرأة السعودية من إذلال وقمع. وفحوى الخبر الذي بثه موقع ياهو (yahoo) الإلكتروني يدور حول تنادي مجموعة من الرجال عبر الـ»فيس بوك» لتنظيم حملة تأديب جماعية للنساء السعوديات اللواتي تجرأن وطالبن بحقهن بقيادة السيارات، عبر التسلح بالعُقُل (جمع عقال) التي ستنهال ضربا على ظهورهن في يوم التجمع الموعود، وهو يوم 17 يونيو المقبل! والغريب أن هناك – كما يقول الخبر– ستة آلاف قارئ صوّت بالموافقة الإيجابية (likes) على فكرة الحملة!

ويستطرد الخبر بالقول إن هناك مساعي تهدف إلى التطوع بتوزيع (العُقل) على الشبيبة والمراهقين وتوفيرها لهم، حتى يقوموا بالمهمة على أكمل وجه!! وثمة نكتة أخرى عن احتمال ارتفاع أسعار (العُقل) لأن موسم ضرب النساء العلني على الأبواب!!

هذه البضاعة المسمومة من الأخبار والترهات بدأت تتصاعد، وتخدش شعور كل إنسان له قلب وضمير، بعد خبر اعتقال السعودية منال الشريف لتجرؤها على قيادة سيارتها في الرياض، وتسجيل هذا الحدث على فيديو يبث حالياً على الـ»يوتيوب».

وبعيداً عن التعبير عن أي من مشاعر الامتعاض والذهول والألم، نقول إن مسألة حرية النساء وإنسانيتهن في بلادنا وحولنا لا تزال على المحكّ، ولا تزال قيد النظر!!