أظهر نواب الصفعات في جلسة الأسبوع الماضي سواد وجه الأمة، وليس سواد وجوههم فقط، فلم تكن تلك «النخب» البرلمانية المتعاركة بالشتم والصفعات تمثل نفسها، وتنفس عن احتقاناتها الطائفية والعنصرية، بقدر ما كانت تعبر عن إرادة «الأمة» الطائفية، التي وجدت في ممثلي الطوائف والقبليات والشلل خير تعبير عن إرادتها المتعالية والمتغطرسة، بعد أن صورت «الآخر» الغير بمنظار الاحتقار الديني «الخارج عن الملة والجماعة»... وهذا أبسط أولويات الاعتقاد التي تضج في الصدر الديني المتزمت، اعتقاد خارج العقل لا يفرق بين «شهيد» الأمة بن لادن أو نواب الشهيد عند ممثلي الأمة الكويتية.

Ad

حدث الضرب في المجلس، وفقدان القدرة على الحوار المتزن في بيت الطوائف السائر بهدي السلطة الحاكمة لم يكن بحد ذاته مهماً، بقدر ما كان معبراً عن الحالة الطائفية والانقسامات الاجتماعية التي تجتاح الدولة في السنوات الأخيرة. وهي تدق جرس الخطر من التفجر الطائفي والحرب الأهلية القادمة، مادام الفكر الحاكم الذي خلقها بداية ما زال ينظر إليها بالمنظار القديم المتخلف ذاته، متصورا أنها «ظاهرة صحية»، بالنسبة إليه، يستطيع أن يمسك عبرها بزمام الحكم من دون منافس حين يعلي من نفسه، وكأنه فوق تلك التشوهات الدينية والمذهبية، وكأنه رمز «الحياد القانوني» وفوق الشبهات! بينما يدرك أي واع أنه المسؤول الأول عنها، فقد كانت البداية بتقسيم الدوائر السابق حسب التفريعات الطائفية والعشائرية، ثم كان هناك الميل بممالأة الاتجاهات التعصبية الدينية، الذي تجلى في «بعثات» الجهاد إلى أفغانستان المناضلة ضد «الكفار» الشيوعيين، ثم ما تبع ذلك من أحداث بعد انتصار الجهاد والإرهاب معا تمثلت في تشجيع سافر لقوى التطرف الديني، وأصبح وعاظ آخر زمن نجوماً على شاشات التلفزيون والإعلام الرسمي وغير الرسمي، وأصبحوا خير وسيلة، من ناحية أخرى، لترويج السلع التجارية مختومة بأختام المباركة الدينية.

لم نكن بحاجة إلى كل ذلك الهوج الديني، والتقسيمات الاجتماعية، فالكويت ليست العراق، وهي أيضا ليست البحرين ولا مصر، ولا مثل أي من شقيقاتها العربيات المبتلاة بنقص الموارد الطبيعية، وحجم سكاني كبير نسبيا. كانت الكويت، مع بعض التحفظ، وعاء صهر مصغرا، لأعراق مختلفة، جاء أهلها من الجزيرة العربية، ومن بلاد الرافدين، ومن بلاد فارس... فهل أضحينا بعد تلك العقود الممتدة غير متآلفين وعاجزين عن قبول بعضنا بعضا؟ من المسؤول عن هذه الخبيصة؟ وهل يعلم النافخون في جمر التقسيمات المذهبية والعرقية أي منقلب سينقلبون؟!