أولت البلدان العربية المنتجة للنفط منذ عقود طويلة أهمية خاصة لصناعة تكرير النفط، نظراً إلى دورها الاستراتيجي في تعظيم القيمة المضافة للنفط من خلال تصديره كمنتجات من جهة، ودورها في تلبية الطلب المحلي المتنامي على المشتقات النفطية من جهة أخرى، كما أنه من مميزات صناعة التكرير تقليل الاعتماد على المصادر الأجنبية في الحصول على هذه المشتقات، لما في ذلك من آثار سلبية على موازين مدفوعاتها بفعل تذبذب الأسعار أو انقطاع الإمدادات في الحالات الطارئة.

Ad

ولو نظرنا إلى ما تهدف إليه الكويت في بناء المصافي سنرى أن هناك إشكالاً حول بناء "المصفاة الرابعة" أو الجديدة، إذ أعربت شركة البترول الوطنية الكويتية عن توقعاتها بأن يبدأ إنشاء مصفاة النفط الرابعة التي تقدر تكاليفها بحوالي مليار دينار كويتي في مطلع عام 2007، على أن يتم الانتهاء من بنائها خلال ثلاث سنوات، وإلى اليوم لا أحد يعرف مصير المشروع.

وقال رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب للشركة آنذاك سامي الرشيد، إن المشروع  "يكتسب بعداً استراتيجياً ستنعكس آثاره الإيجابية على البيئة والاقتصاد الكويتي". وإن الغرض الأساسي من إنشاء هذه المصفاة هو تزويد محطات الطاقة الكهربائية الكويتية بالوقود اللازم والملائم للبيئة والمنخفض من حيث المحتوى الكبريتي إلى جانب إنتاج البنزين والكيروسين والديزل عالي الجودة. هذه المقدمة كان لابد أن نذكرها حيث يعرف العاملون والمتخصصون في القطاع النفطي الكويتي ما تعرض له هذا المشروع "الاستراتيجي"! خلال الثلاث سنوات الماضية من تغيير المشروع بداية من تغيير الموقع والطاقة الإنتاجية من 450 ألف برميل يومياً إلى 600 إلى تغيير القائمين والمشرفين على المشروع، والأهم من ذلك تغيير تكلفة البناء بسبب التأخر في اتخاذ القرار إلى 4 مليارات دينار ومازال المشروع معلقاً هو والكثير من المشاريع التي يطلق عليها صفة "استراتيجي". ولكن في المقابل نرى المشاريع المشابهة والاستراتيجية في دول الخليج تنفذ بشكل غير معقد، مما يسرع عملية الوصول إلى الأهداف المطلوبة في الصناعة النفطية كما هو مرسوم في استراتيجتهم المستقبلية. ومثال على ذلك بناء المملكة العربية السعودية مصفاة "ينبع" ومن قبلها مصفاة "الجبيل"، وهنا تخطر مجموعة من الأسئلة سيجب عنها خبيران نفطيان متى ستنفذ المشاريع الاستراتيجية في القطاع النفطي الكويتي؟ وماذا ستتكبد الكويت من تأخير هذه المشاريع؟ وما الفرق بيننا وبين باقي دول الخليج لتحقيق أهدافنا النفطية؟

في البداية قال الرئيس التنفيذي في شركة إيكاروس للصناعات النفطية سهيل بوقريص، إن الاستهلاك العالمي للطاقة اعتمد على استهلاك المنتجات النفطية وزيادة استهلاك النفط في العالم يقابله زيادة في الطاقات التكريرية، وفي فترة من الفترات أصبحت الطاقات التكريرية أكثر من الحاجة حيث كانت منطقة الخليج للتصدير بعكس أوروبا التي كانت تصدر، وان الصين لم تواكب احتياجاتها من الطلب على المنتجات النفطية، مشيراً إلى أنه من الأفضل أن يكون التكرير موجوداً في مناطق إنتاج النفط الخام، والأفضل من ذلك أن يبني المستهلك المصفاة في منطقته الاستهلاكية.

أما في ما يتعلق بدول الخليج وحاجتها إلى بناء مصاف جديدة، إذ إن الكويت قررت في استراتيجيتها زيادة الطاقة الإنتاجية الى 4 ملايين برميل يومياً وكان ضمن الخطة اما تسويق نفط خام أو منتجات نفطية وإيجاد التوازن بينهما، وهذا الأمر يختلف عن الاحتياج المحلي للاستهلاك، لأنه من غير المعقول أن نكون مصدرين للنفط ويوجد نقص في أحد المنتجات.

أما في ما يتعلق بالاقتصادات فيجب النظر لما هو الأفضل تصديره نفط خام أم منتجات، لأنه إذا كان هناك فائض من الخام فنقوم بتصدير منتجات وبالعكس. وعلى سبيل المثال وفي ظل إنتاج السعودية الضخم من النفط الذي يصل إلى 10 ملايين فهنا التوازن يجب أن يكون موجوداً لتحقيق حاجتهم المحلية ولتوازن نفط الخام مع المنتجات البترولية، مؤكداً أن منحى السعودية جيد في كل صناعة البترول سواء كانت مصافي التكرير أو البتروكيماويات وهم يخلقون صناعات ضخمة وهي لأهداف عديدة ومتنوعة، بما فيها تنشيط الاقتصاد وزيادة تعظيم القيمة المضافة وتوفير فرص عمل والخطط لديهم واضحة ويسيرون بشكل جيد.

تداخل الخطوط

وفي ما يتعلق بالكويت قال بوقريص: "للأسف تداخلت الخطوط بعضها مع بعض، وأصبح هناك عدم ثقة وهناك عوائق سياسية أكثر منها فنية، مشيراً إلى أنه لا أحد ينكر حاجة الكويت إلى المنتجات البترولية خصوصاً لمحطات الكهرباء، والدليل استيراد الكويت للغاز، وبالرغم من سد الغاز لمتطلبات الكهرباء فإنه مكلف على الدولة ولا يمكن أن تكون الكويت منتجاً كبيراً للطاقة، وفي المقابل نستورد طاقة من الخارج وهذا يعد خطأ استراتيجياً! مشيراً إلى أنه تحت أرض الكويت ملايين من البراميل النفطية، ومع ذلك يتم الاستيراد من الخارج، وهذا الأمر لا يغتفر، وهنا يتضح المنظور الاستراتيجي الذي يدعو إلى تأمين الاحتياجات المحلية التي كان منها بناء المصفاة الرابعة تحسباً لأي طارئ يحدث في الأسواق العالمية".

وعن الخسائر التي تنتج من عدم بناء المصافي أو إيجاد توازن بين إنتاج النفط الخام والمنتجات البترولية قال بوقريص، إن هناك العديد من الخسائر منها حرق في فترات معينة منتجات مكلفة مثل الديزل وهو مكلف بالإضافة إلى حرق النفط الخام الذي فضلا عن أنه مكلف فهو مدمر للبيئة، وكما أن الكويت فاقدة لاشتراك القطاع الخاص في بناء المشاريع وخلق فرص عمل وهي خسارة، والدليل استيراد الغاز في فترة الصيف التي كلفت الملايين.

وأكد بوقريص أن الكويت تأخرت في بناء المصفاة، مما زاد تكلفتها وتأخيرها المستمر الذي سيزيد تكاليف البناء في المستقبل ولم يتم أي شيء، والأوضاع تسوء خاصة مع زيادة الاستهلاك التي تزيد بشكل مطرد، والشيء المؤكد أن التكاليف مستمرة في الارتفاع ولن تقل، وهو ما يكلفنا المليارات وهي غلطة ترتكبها الكويت في كل مشروع، موضحاً أن حال وجود أي شبهة على أي مشروع يجب ألا يقف، وان يستمر العمل فيه ومن ثم محاسبة المعنيين لكي لا تفوت الفرص ونخسر المزيد من الأموال.

وأوضح أن دول الخليج عامة تعمل وفق استراتيجية واضحة وتخطت الكويت، بالإضافة الى استحواذها على المزيد من الأسواق الواعدة ونحن نشاهدها ونتهم بعضنا بعضاً.

الاستهلاك المحلي قليل

من جهته، قال الخبير المتخصص في تكرير وتسويق النفط عبدالحميد العوضي، إن بناء المصافي النفطية يتم لعدة أهداف، اما للاستهلاك الخارجي أو المحلي، موضحاً أن استهلاك الكويت محلياً قليل والمصفاة الرابعة استهدفت الاستهلاك المحلي وخاصة للكهرباء، إذ إن التصميم لها يوضح أن ثلث إنتاجها موجه إلى محطات توليد الكهرباء.

وأشار إلى أن المصافي الموجودة في دول الخليج هي للتصدير الخارجي، وهناك اختلاف بسيط في تصميمها عن الموجودة في الكويت.

وأوضح العوضي أن تأخير بناء المصفاة الرابعة كان بسبب بعض الأخطاء في إجراءات المناقصة، إذ إن الكويت تختلف عن باقي الدول الخليجية لوجود جهات رقابية والمصفاة الرابعة لم تتم بشكل متكامل، وهو ما أدى إلى تأخر هذا المشروع.

وفي ما يتعلق بهامش الربحية للمصافي تشير التقارير العالمية إلى عدم وجود ربحية لهذه المشاريع وفي المقابل دول الخليج تقوم ببنائها. قال العوضي إن المصافي خلال الفترة الماضية وتحديداً عام 2007 كانت التكلفة من 10-12 دولاراً في البرميل، وهي نسبة عالية ولكن ما نراه اليوم ان هذه النسبة قد وصلت إلى 3 دولارات في البرميل، ووصل الأمر في بعض المصافي إلى أقل من ذلك بسبب تصميمها.

وأشار إلى أن هناك تخوفاً من بناء المصفاة الرابعة بسبب تكلفتها العالية وعملية استرداد التكلفة تحتاج إلى 15 سنة، وهي عملية فيها مخاطرة خصوصاً أن عمر المصافي 30 عاماً.

المصفاة الرابعة اكتتاب عام!

وعن تعليقه على من ينادي بطرح مشاريع المصافي إلى اكتتاب عام في ظل عدم وجود ربحية لها قال العوضي، إن المصافي الخليجية الموجودة موجهة إلى الاستهلاك الخارجي باستثناء مصفاة جيزان التي بنيت برؤوس أموال القطاع الخاص دون مساهمة الدولة، وذلك في حال توجه منتجات المصافي إلى السوق الخارجي، وهو ما وضع في تصميم المصفاة الرابعة إذ إن 30 في المئة من إنتاجها سيوجه إلى محطة الكهرباء، وعملية تكسير النفط يقوم بها القطاع الخاص الذي يهدف في نهاية المطاف إلى الربحية. ومن الصعب على القطاع الخاص تحمل تكاليف البناء واسترجاع الأرباح، مشيراً إلى أنه يمكن أن تدخل الحكومة في عمل مثل هذه المشاريع ومن ثم تطرح للقطاع الخاص، وهنا يمكن أن تكون المشاريع جذابة لرؤوس الأموال الخاص.

وعما ينقص الكويت في تنفيذ المشاريع النفطية عن باقي دول الخليج قال العوضي، إن العمل في أي مشروع يحتاج إلى قيادات متمكنة لحث العاملين على إنجاز الأعمال والمشاريع، مضيفاً أنه في الفترة الأخيرة في القطاع النفطي فقدنا القيادة الواعية لمستقبل القطاع وإنجاز المشاريع الضخمة والاستراتيجية.

وأضاف أنه بات واضحاً أن جميع المشاكل التي يتعرض لها القطاع تعرض على جهات أخرى مثل ديوان المحاسبة ومجلس الأمة والصحافة، ولا يوجد أحد لديه القدرة أن يعترف بسوء إدارة القطاع.

وأشار العوضي إلى أنه من بين سوء الإدارة وتبعاتها المستقبلية ما تقوم به إدارة التسويق العالمي، التي ستسوق منتجات المصفاة الرابعة وهي في حاجة من الأساس إلى تسويق المنتجات الحالية وتتعرض إلى فقدان العقود!

وفي تعليقه على تعطل بناء المصفاة الرابعة هل هو سلبي أم إيجابي للكويت قال العوضي، إنه سلبي وإيجابي في نفس الوقت وتتمثل سلبيته في انه لم تختر التصميم الصحيح للمصفاة، والدليل ان بناء المصفاة بغرض تلبية الاستهلاك المحلي من الكهرباء بينما الغاز الطبيعي الذي تستورده الكويت هو الحل الأمثل بدلاً من بناء مصفاة لإنتاج وقود لمحطات الكهرباء.

وأضاف أن هناك إيجابيات لعدم تنفيذ المشروع وان كانت التكلفة عالية نوعاً ما، ولكن هنا يجب النظر إلى نوعية المصافي الموجودة لدى دول الخليج ويجب تعديلها، حيث نرى السعودية التي أضافت بعض الوحدات إلى مصافيها الجديدة والتي ستزيد من هامش الربحية مثل وحدة لإنتاج الفحم البترولي، بالإضافة إلى وحدة إنتاج زيوت التزييت، وللأسف الكويت تسير بتفكير نمطي ولا تلاحظ خريطة المصافي الخليجية، مشيراً إلى أننا نرى قريباً العراق يبني مصافي جديدة وهو الذي كان يعتمد على مصافي الكويت في السابق، وكل هذه الأمور تغيب عن قيادات المؤسسة.