قلت لصديقي: «يحتفل العالم يوم 23 أبريل بيوم الكتاب العالمي».

Ad

وقبل أن أزيد بكلمة أخرى، رمى جملته في ما يشبه ثقة، قائلاً: «الكتاب للغرب والغربيين فقط».

رحت أنظر إليه مستغرباً، فأضاف محاولاً تأكيد فكرته: «أي كتاب يستطيع إصلاح حال العالم العربي المتدهور، وهو يشهد خروج الناس بصدور مكشوفة لمواجهة الطغيان؟».

ولأنني رحت أتامل جملته، أسرع بتساؤله: «وأي دور للكاتب العربي في أوطان تستفيق من الموات؟».

بهدوء استأذن هو ناهضاً، وودعني قائلاً: «أجلّ الكتاب مثلك، لكننا في لحظة تاريخية مختلفة».

ما إن صرت وحدي، حتى أخذتني الأفكار، وغشى روحي حزن مؤلم! فالعالم الآخر، ولا أقول الغربي، بل العالم من أقصاه إلى أقصاه، وفي أصغر قراه، يحتفل بأشكال كثيرة ومبتكرة ومبهجة بالكتاب، ونحن في عالمنا العربي، في احتفال مهيب لاقتناص حلم الحرية والحياة.

هو ديدن الحياة، بقدر ما تعطي الأشياء اهتماماً ووعياً بدورها، بقدر ما تأخذ منها ثمراً طيباً. وما يبدو على السطح، هو أننا، في عالمنا العربي، سهونا منذ قرون عن أهمية الكتاب، وأشاح بوجهه الكتاب مقفياً عنا، تاركاً لنا الجهل ليضعنا في مؤخرة مسيرة شعوب العالم. لكن هذا لا يمنع وجود الكثيرين ممن كانوا ولا يزالون يؤمنون بالكتاب، ويتخذون من الوصل به وصلاً بالحياة!

نعم، ليس من كتاب كفيل بتغيير إنسان، لكن فكرة تلو أخرى، وكتاباً بعد آخر، كفيل بأن يرسم وعياً جديداً مختلفاً، ونظرة مغايرة تجاه الإنسان.

كيف يستعيد الكتاب العربي مكانته في حياة الإنسان العربي؟ هذا سؤال كبير ومحوري وربما شكّل عصباً في اللحظة المفصلية التي تحياها شعوب الوطن العربي. فالظرف السياسي الإنساني الذي تحياه شعوب ودول العالم العربي، مرددة مقولة القرن (الشعب يريد إسقاط النظام) نبّه العالم الآخر، بشعوبه ومراكز بحثه وقادته إلى أن الشعوب العربية ليس كما يعتقد، وأن أبناء الوطن العربي يمتلكون من مقومات الحياة والعزة والكرامة وحب الديمقراطية ما يتفوقون به على شعوب كثيرة على هذا الكوكب!

قرون طويلة، والعالم، لسبب أو لآخر، يعتقد أننا شعوب لا تستحق الحياة، وأننا نستمرئ الجهل ونخوض في البؤس برضا ودون أي شعور أو إحساس بالخزي والمهانة. لكن ذلك العالم نفسه، استفاق خلال الأشهر الماضية، على فكرة أخرى مغايرة تقول: شباب وشعوب العالم العربي، ليسوا كما يظن، وان شباب وشعوب العالم العربي في القلب من مجريات العالم، وفي القلب من التكنولوجيا العالمية المتقدمة، وفي القلب من الوصل العالمي، وهي مصممة على أن تكون في القلب من حدثه وأحاديثه!

كثيرون ينكرون دور الكتاب ودور الكاتب ودور الثقافة والمثقف في ما جرى ويجري في العالم العربي، لكن الواقع اليومي الراهن، المخضب بالدم والوجع والعنف والقسوة والموت، يقول غير ذلك، وهو يؤكد أن وعياً كبيراً كان كامناً في تربة الوطن العربي، وأن الإنسان العربي الذي عاش قروناً في عوزٍ للقمة العيش، خرج على أنظمته مطالباً بالحرية قبل أي شيء آخر، وهذا مسلك يظهر إدراك الإنسان، بمختلف درجات وعيه وانتماءاته، بأن وطناً بدون ديمقراطية وحرية لا يمكن العيش فيه. وهل الديمقراطية في أهم صورها غير القدرة على قول كلمة؟ وهل الكلمة في محتواها سوى وعي مغاير؟ وهل الوعي في أجمل تجلياته سوى كتاب؟

نعم قد يكون البعض في سهوٍ عن الكتاب، لكن الكتاب والكاتب العربي أبداً لم يكونا في البعد عن مأزق أوطانهما، وأبداً لم يتركا المواطن ولا الوطن فريسة للجهل والظلم.

تحية للحرف والكتاب، وتحية أخرى مستحقة لشعوب عظيمة تدفع أرواحها ثمناً لحلم جميل قادم.