كلمة راس: الانفلات داخل التجمّعات
خرجتُ من المسجد فإذا به يوقفني ليلقي عليَّ سؤالاً سمعته كثيراً من محبّين مؤيدين ومحبّين معارضين... ما الذي يحدث في التجمّع السلفي؟... كنّا نعرفكم واضحي المنهج والطريقة... قراركم واحد لا لبس فيه، وموقفكم ثابت لا تلوّن به، ومبدؤكم راسخ لا تحيدون عنه، فما الذي حدث لكم؟ أصبحتم كغيركم، لا يستطيع المتابع لكم أن يعرف لكم موقفاً، ولا رأياً، كل عضو منكم يصوّت في ناحية، وكل شخصية معروفة فيكم تعلن رأياً، وإذا انتظر الناس بيانكم وصدر، أعلن بعضكم مخالفته، واعترض على إصداره، فبالله عليكم اخرجوا عن صمتكم ووضّحوا أمركم، وإلّا فإن صورتكم الصافية النقية ستُشوّه، ويصيبها ما أصاب غيرها، فيتفرق الناس عنكم ويتخلون عن تأييدهم لكم.قلت له: معك حق في كل كلمة نطقتها، لكننا نعيش في عصر الانفلات من كل قيد، وهي حالة عامة ليست مقصورة على تنظيم بعينه، ولا جماعة محدودة، فإذا التفتَّ يميناً أو شمالاً فسترى الجميع يمارس نفس الانفلات والخروج على النص، وعدم التقيد بنظام أو التزام، وإذا توقفتَ عند كل تكتل سياسي، فستجد أن الحالة التي يمر بها التجمع السلفي متكررة في كل تكتل، وقد تكون الصورة فيها أوضح وأصرح... بالطبع هذا ليس تبريراً، لكنه وصف للواقع الذي تعيشه التجمّعات السياسية، فقد أصبح اقتراب الناس بعضهم من بعض وسهولة تواصلهم عبر وسائل الإعلام الحديثة، عاملَين مؤثرَين في اندفاع الأفراد لاتخاذ مواقف يظنون أنها تزيدهم شعبية، من دون الالتفات إلى عواقبها أو دراسة آثارها، وتحت تأثير الإلحاح الشديد لإعلان مواقفهم، تتفلّت كلماتهم قبل أن يستشيروا جماعاتهم وتكتلاتهم، ويرتبطون بتلك الكلمة حتى لو خالفت المواقف الرسمية لتلك التكتلات، وهكذا بدأ الانفلات.
***من أخطر الأمور التي تحدث في الكويت، أن مجموعة نشيطة استطاعت بطريقة مُتقَنة وبسرعة فائقة، وبتوزيع مُبهِر للأدوار... أن توهم الناس أن الآراء التي تنشرها رأي عام وأن الغالبية الساحقة من أهل الكويت تتبنّاها، فكَثُرَ التابعون خلفها من دون أن يفكروا في تلك الآراء والأطروحات، وعمَّ الوهم جميع الأماكن، وسرى الوهن في نفوس المخالفين فتقاعسوا عن إعلان مخالفتهم ومعارضتهم.