لا أعتقد أن هناك رسالة يمكن أن توجه إلى الحكومة من السلطة القضائية أبلغ من التصريحات التي أدلى بها رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ورئيس المحكمة الدستورية، ورئيس محكمة التمييز المستشار يوسف غنام الرشيد لـ»الجريدة» الأسبوع الماضي، والتي تكشف الواقع الحقيقي لما تعانيه السلطة القضائية في الكويت، وسببه الإهمال الكويتي في التعاطي مع مطالب وهموم السلطة القضائية.

Ad

وبينما تطالب الحكومة في طلب التفسير المقدم منها إلى المحكمة الدستورية لتفسير أربع مواد، منها المادة (163) التي تتحدث عن استقلال السلطة القضائية وتطالب مجلس الأمة بعدم التدخل في شؤون السلطة القضائية، تقوم الحكومة ذاتها بالتدخل في أعمال السلطة القضائية، وذلك بامتناعها عن تلبية مطالب السلطة القضائية وإهمال قضاياها، لدرجة أن يستغرق مطلب لإنشاء ناد للقضاة أكثر من 30 عاما دون جدوى.

لا أعتقد أن من يطالب باحترام مبدأ الفصل بين السلطات ويطالب بتفسير المادة (50) من الدستور إلى جانب المادة (163) يتناسى أن عليه واجب تنفيذ مطالب أعضاء السلطة القضائية، متى ما أصر على رفض إقرار قانون استقلال السلطة القضائية المعروض على جدول أعمال مجلس الأمة.

لا أرى منطقية في المبررات التي ساقتها الحكومة في طلب التفسير المقدم منها إلى المحكمة الدستورية في سبيل دفاعها عن الجهاز القضائي ومهاجمة النواب في ما قدموه من ثمانية استجوابات، وهي اليوم ترفض اعتماد قرار المناصب القضائية الذي انتهى المجلس الأعلى للقضاء في أغسطس الماضي إلى تعيين المستشار فيصل المرشد نائبا لرئيس «التمييز»، ويوسف الشراح رئيسا لمحكمة الاستئناف، ومحمد بوهندي نائبا لرئيس محكمة الاستئناف، ولا أعلم متى تتكرم الحكومة وتقر الأمر وينتهي كما أراد المجلس الأعلى للقضاء، وهو المسؤول عن السلطة القضائية.

أكثر من 30 عاما ولا اهتمام بمطالب السلطة القضائية ولا حتى بقضايا رجالها، فمن تصيبه وعكة صحية شأنه شأن المواطن العادي لا يتمتع بتأمين صحي ولا يلقى اهتماما للعلاج بالخارج ويقف ضمن طابورالمنتظرين، بينما أقل موظف في القطاع النفطي وفي «الداخلية» و»الدفاع» تمنح له الدولة إمكان السفر للعلاج بالخارج، فضلا عن وجود مستشفيات خاصة كالنفط والعسكري لمنتسبي تلك الأجهزة! لا أعتقد أن توفير التأمين الصحي لـ800 قاض ووكيل نيابة ومنحهم العلاج بالخارج سيقلب الدنيا وسيقعدها، ويإقرار هذين المشروعين سنبعد الاخوة أعضاء السلطة القضائية عن مهانة الطلب إلى هذا وذاك، أو قهر الانتظار لرغبته في السفر للعلاج بالخارج!

كم هو أمر مهين أن يترك قضاتنا ووكلاء النيابة العامة في الوقوف بطابور الانتظار، فهو أكرم عندهم من الطلب من زيد وعبيد، حتى لا يعود بطلب منه على حساب عدالته، فيكون قهر الانتظار وطوله أفضل بكثير من ظلم العباد!

كثيرة هي مواجع السلطة القضائية التي مللت وأنا أكررها في كل أسبوع لعل في الأمر إجابة أو بحثا أو دراسة لكنها في كل أسبوع تنتهي إلى أن تبقى حسرة في قلبي على حال رجال قضائنا، فإهمالهم وعدم الالتفات إلى مطالبهم وإقرار قوانينهم لإصلاح وتطوير جهازهم ورفعة أدائه وتوسعة أعماله سيلقي في الغد بالسوء على أداء الجهاز وهو ما لا نتمناه.