نعيب «الجامعة»... والعيب فينا

نشر في 17-10-2010 | 00:01
آخر تحديث 17-10-2010 | 00:01
إن الجامعة تحتاج إصلاحاً إدارياً واسع النطاق، يخفف من أعداد الموظفين المعينين بالواسطة أو ضمن «الكوتة» على غرار المصالح الحكومية في دولنا العربية، كما أنها تعاني أزمة مالية مستديمة، لأن عدداً من الدول الأعضاء لا يلتزم بدفع التزاماته المالية تجاهها في الأوقات المحددة.
 ياسر عبد العزيز "نعيب جامعتنا والعيب فينا... وما لجامعتنا عيب سوانا".

هكذا كان يحلو للأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد القول دائماً حين تتوجه سهام النقد إلى دور الجامعة وعجزها المزعوم عن ملاحقة التطورات وتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.

كان عبدالمجيد من مدرسة الدبلوماسية الهادئة، وقد مرت ولايته بأزمات حادة وخطيرة، لكنه استطاع بحكمة وصبر وهدوء أن يتفادى المخاطر ويعبر حقول الألغام.

لكن دبلوماسيته الهادئة وأدبه الجم ونعومته الظاهرة لم تجعله يستسلم للانتقادات الحادة التي كان يتلقاها دائماً بصفته أميناً للعمل العربي المشترك، خصوصاً أن ولايته مرت بأكبر انقسام عرفه الجسم العربي على خلفية غزو العراق للكويت عام 1990، ولذلك فقد دأب دوماً على إعادة صياغة بيت الشعر الشهير: "نعيب زماننا والعيب فينا... وما لزماننا عيب سوانا"، لكي ينطبق على وضع الجامعة العربية كما يراه.

صدق عبدالمجيد، فما لجامعة الدول العربية عيب سوى الدول العربية التي تتكون منها.

لعلك تلاحظ أن مركز التفاعلات الدائرة في الجامعة وحولها الآن يتصل مباشرة باقتراح قدمه اليمن لتغيير النظام الأساسي للجامعة، لتصبح اتحاداً عربياً، بما يعزز أواصر التلاحم بين الدول الأعضاء، ويزيد فاعلية العمل المشترك، ويكرس قدرة النظام العربي على مواكبة التحديات الضخمة التي تواجهه. ولعلك تلاحظ أيضاً أن اليمن يواجه أخطر التحديات التي مر بها منذ حرب الانفصال عام 1994، وأنه يخوض صراعاً على ثلاث جبهات؛ إحداها في الشمال مع الحوثيين الهادفين إلى زعزعة الدولة، وثانيتها في الجنوب مع "الحراك الجنوبي" الرامي إلى الانفصال، وثالثتها بطول البلاد وعرضها مع تنظيم القاعدة الراغب في تدمير البلد وتحويله مركزاً لتصدير الإرهاب. وليت الأمر يقتصر على تلك التحديات الصعبة وحدها، لكن اليمن أيضاً يقبع في ذيل قوائم التنمية البشرية المعتبرة كلها، ويعاني معدلات فقر متفاقمة، ويعرف أنماط فساد متفشية، ويقاوم نظامه، الذي أنشأه الرئيس علي عبدالله صالح في مطلع حكمه الذي استمر 32 عاماً، الكثير من المخاطر التي ترهقه وتزعزع استقراره.

ليس الاقتراح اليمني وليد اللحظة بالطبع، بل ربما كان إعادة لاقتراح ليبي ظهر قبل نحو خمس سنوات، لكنه تاه في سراديب البيروقراطية التي تدمنها الجامعة وتتقن ممارستها. الاقتراح الليبي جاء من الأخ العقيد القذافي، الذي نجح في تأسيس بنية قانونية للاتحاد الإفريقي بدت أكثر تماسكاً وتعبيراً عن آمال الوحدة. القذافي يحكم ليبيا منذ عام 1969، ويقدم نفسه بوصفه عميد الحكام العرب، ولذلك فهو يبدي الحرص على تطوير منظومة العمل العربي المشترك.

قطر هي الآخرى تتبنى اقتراح التطوير؛ فهي تريد أن تكون الجامعة أكثر ديناميكية وقدرة على الفعل. تريد أن تستنسخ تجربتها في النمو السريع والدبلوماسية المرنة والقدرة على اتخاذ القرار لتنتقل بها إلى الجامعة. لا تعرف قطر أن رشاقة دورها تنبع أساساً من خفة حركتها، وأن حزمها وسطوع عزمها له علاقة بخفة حمولاتها وبساطة بنيتها. الجامعة أثقل وزناً وأعقد تركيباً.

يتبنى الأمين العام الحالي للجامعة الاقتراح أيضاً. يريد عمرو موسى أن ينجح، وأن يتصدر العناوين كما يحب دائماً، يريد أن يمضي إلى ولاية ثالثة، وأن يسجل عملاً مبهراً يضعه في مكانة مميزة في سجل العمل القومي. ينفي الأمين العام رغبته في تمديد ولايته، لكنه يتصرف على نحو مغاير لهذا النفي، ويعتقد في قرارة نفسه أن القاهرة لن تجد خيراً منه لتقنع الدول العربية به كأمين عام معتبر ولائق لهذا المنصب المهم.

تلك مشكلة أخرى؛ فرغم أن ميثاق جامعة الدول العربية لا ينص على ضرورة أن يكون الأمين العام مصرياً، فإن العرف جرى على أن يتناوب مصريون على هذا المنصب المهم، حتى لو أظهروا عدم كفاءة أو انحيازاً أو تماهياً في السياسة المصرية.

لكن السنوات الأخيرة شهدت دعوات متفاوتة؛ بعضها جرى بعلو الصوت، وبعضها الآخر ظهر مبطناً وعلى استحياء: "لماذا لا يتم تدوير المنصب؟".

لا تبدو مصر راغبة بالطبع في تدوير المنصب أو نقل مقر الجامعة من القاهرة. لكن عدداً من الشقيقات المشاكسات وبعض الدول الرئيسة التي تتباين سياساتها مع السياسة المصرية وبعض النخب الطامحة إلى أدوار إقليمية واسعة في دول عربية أخرى تطمح في الضغط على القاهرة من أجل تدوير المنصب أو على الأقل الحصول على فوائد أخرى في مقابل الصمت عن الاحتكار المصري له.

يبقى أن الجامعة تحتاج إصلاحاً إدارياً واسع النطاق، يخفف من أعداد الموظفين المعينين بالواسطة أو ضمن "الكوتة" على غرار المصالح الحكومية في دولنا العربية، ويبقى أنها تعاني أزمة مالية مستديمة، لأن عدداً من الدول الأعضاء لا يلتزم بدفع التزاماته المالية تجاهها في الأوقات المحددة.

يحلو للكثيرين من نقاد الجامعة العربية الحديث عن الاتحاد الأوروبي كلما أرادوا الكيد لها أو الحط من شأنها. تبدأ الفقرة عادة بجملة طالما تكررت على النحو التالي: "رغم أن إنشاء الجامعة العربية سبق إنشاء الاتحاد الأوروبي، ورغم أن الدول العربية تجمعها أواصر الدين واللغة والمصير المشترك، فإن.......".

لكن هؤلاء النقاد لم يسعوا يوماً لمحاولة فحص النظامين الأوروبي والعربي، ومقارنة الوحدات المكونة لكل منهما، وبعضهم لم يطلع حتى على نصوص الوثائق المؤسسة لكليهما.

يهدف الاتحاد الأوروبي، كما يظهر في صدارة بيان تأسيسه، إلى "تأسيس المواطنة الأوروبية"، لكن دولنا العربية مازالت غير قادرة على معاملة رعاياها بوصفهم "مواطنين".

يجب ألا توجه سهام النقد إلى الجامعة قبل أن تُصوب نحو كل خلل وعوار في الوحدات المكونة لها... الدول العربية.

ويجب ألا يأمل أي ناقد في أن تتشكل منظومة إقليمية فاعلة، تحتاج بنية ديمقراطية وإدارة شفافة للتطور والاستدامة، من قبل دول غير ديمقراطية لم تطرق أياديها بعد على أبواب الحداثة.

* كاتب مصري

back to top