تعدّ نموذجاً للمرأة التي خاضت العمل القضائي من دون تهيّب، وتراه مناسباً للمرأة متى وجدت نفسها قادرة عليه وترغب في نشر العدل، مع ذلك تعترف بدور الرجل في مساندة المرأة لتتبوأ مكانتها في القضاء وترفض بشكل قاطع إصدار قانون يمنع تعدد الزوجات أو يمنح المرأة حقّ تطليق نفسها، لأسباب عدة نتعرف إليها في الحوار التالي مع المستشارة نجوى صادق المهدي، نائب رئيس النيابة الإدارية في مصر.

Ad

كيف ينظر الإسلام إلى المرأة؟

اهتمت شريعة الإسلام الخالدة بالمرأة أيما اهتمام، فرفعت من قدرها وأعلت من شأنها ومنحتها حقوقها التي هضمتها عصور الجاهلية، أنزل الإسلام المرأة منزلة رفيعة في المجتمع وأكرمها سيما تكريم.

كيف كان وضع المرأة قبل الإسلام؟

في عصر الجاهلية كان يتم وأد الطفلة ويتزوج الرجل كيفما شاء من دون تحديد عدد الزوجات الذي كان يفوق الـ 25 امرأة في آن، ولم يكن يسمح لها بالقيام بمهام كثيرة وينظر إليها على أنها امرأة للمتعة فحسب.

هل فرّق الخطاب القرآني بين الرجل والمرأة؟

ذكر الله سبحانه تعالى في كتابه العزيز المرأة والرجل في أكثر من موضع مساوياً بينهما وليس مفرقاً بين وضعيهما مثل قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» الحجرات 13، ويقول الله سبحانه تعالى عن المرأة «هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ» البقرة 187.

كذلك نجد أن الله تعالى، حينما ذكر تكريمه لبني آدم، لم يفرق بين الرجل والمرأة فجاء الخطاب بطريقة عامة، قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» الإسراء 70، يعني لا فرق بين الرجال والنساء لأنهم أبناء سيدنا آدم عليه السلام.

ما أبرز الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة؟

أعلى الإسلام من شأن المرأة وكرمها وأعاد إليها حقوقها باعتبارها شريكة للرجل في الحياة من بينها: الشخصية القانونية المنفصلة عن زوجها تماماً، فعندما تتزوج تحتفظ باسم عائلتها وليس كما يحدث في الغرب حيث تحمل المرأة اسم زوجها وتلغي شخصيتها القانونية.

كذلك تحتفظ المرأة في الإسلام بذمتها المالية المستقلة تماماً عن الزوج، فلها أن تعمل وتتصرف في أموالها بالزيادة والنقصان كما تشاء. عندما تزوّج الرسول (صلى الله عليه وسلم) السيدة خديجة استمرت في ممارسة تجارتها وإضافة أرباحها إلى ذمتها المالية المستقلة.

في الإطار نفسه أعطى الإسلام للمرأة حق إبرام العقود بالبيع والشراء وأهمها عقد الزواج ومنحها حقوقا كثيرة بشأنه، بحيث يمكنها أن تشترط ما تشاء من الحقوق طالما لا تخالف شرعاً أو قانوناً.

هل نفهم من كلامك أن الزوجة يمكن أن تشترط في عقد الزواج عدم الزواج عليها؟

بالفعل، من حق المرأة أن تشترط ما تشاء، لأن العقد شريعة المتعاقدين، وما تراه يحفظ كرامتها ومستقبلها، طالما قبلها الزوج ووافق عليها تسري هذه الشروط. لم يتزوّج الإمام علي، كرم الله وجهه، على السيدة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حياتها تنفيذاً لشرطها بعدم الزواج عليها. كذلك من حق المرأة أن تشترط الطلاق لو تزوج عليها زوجها أو أن تكون العصمة في يدها أو تعمل بعد الزواج... كل ذلك اعترف به الإسلام للمرأة وهذه مسألة مهمة في سبيل رفع منزلتها.

ماذا عن حقوقها الدينية وتلك التي تتناول نواحي الحياة المختلفة؟

لا فرق بينها وبين الرجل في العبادات والعمل الصالح، فقد جاء خطاب الله سبحانه وتعالى من دون تفرقة بينهما فيقول تعالى «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» النحل 97.

من الحقوق التي أقرها الإسلام للمرأة أنها متى شعرت بصعوبة استمرار الحياة الزوجية واستحالة العشرة بينها وبين زوجها من حقها طلب الطلاق، كما أعطاها الحق في أن تحيا حياة كريمة بعد الطلاق وعلى الرجل أن يدفع مؤخر الصداق ونفقة العدّة.

يقر الإسلام أيضاً مبدأ المساواة بين الناس، يقول رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم): «الناس سواسية كأسنان المشط» وقال أيضا: «كلكم لآدم وآدم من تراب»، وكذلك حقها في التعلم مثل الرجل.

هل يجيز الإسلام مشاركة المرأة في السياسة؟

بالطبع، والدليل على ذلك قوله تعالى: «وأمرهم شورى بينهم»، هنا لم يفرق بين الرجل والمرأة فالقول بالتشاور جاء على العموم، كذلك نجد مشاركة المرأة في مبايعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في بيعة العقبة، وحينما جاء وفد من الأنصار لمبايعته على السمع والطاعة والنصرة كان من ضمنه مجموعة من النساء. كذلك مبايعة النساء للرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد فتح مكة، وفي الحديث عن إحدى الصحابيات قالت: «جئت للنبي (صلى الله عليه وسلم) في نسوة نبايعه فقال فيما استطعتم وأطقتم»، يعني ليست المرأة مجبرة على شيء فيما تستطيع فحسب، فإذا كانت تستطيع العمل السياسي أو تولي المهام المختلفة فلا مانع طالما لديها القدرة على ذلك، وثمة أمثلة على المواقف السياسية للمرأة في الإسلام.

ماذا عن توليها القضاء؟

من دون خوض في آراء الفقهاء حول قضية تولي المرأة القضاء في الإسلام، ثمة قاعدة شرعية تقول الأصل في الأحكام الإسلامية الإباحة، وطالما لم يرد نص قرآني أو نبوي صحيح بتحريم شيء فهو مباح العمل به.

ففي أيام الخلفاء الراشدين تولت قاضية شؤون السوق وأكد العلماء أن المرأة التي تملك الفتوى تملك القضاء، يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) للنساء: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء» ويقصد بها زوجته السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق، فطالما تملك المرأة الفتوى إذن هي تملك القضاء.

هل ثمة نصوص بالإباحة؟

ليس من نص في القرآن الكريم أو السنة النبوية يحظر تولي المرأة للقضاء نهائيا، فقد أفتى د. نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، عام 1999 بعدم وجود نص شرعي صريح في القرآن أو السنة النبوية يمنع تولي المرأة القضاء، كذلك أفتى د. علي جمعة، مفتي الديار المصرية الحالي، الفتوى نفسها، بالتالي لم يمنع الإسلام تولي المرأة القضاء.

متى أثيرت قضية تولي المرأة القضاء؟

منذ سنوات عندما رُفض تعيين الدكتورة عائشة راتب في مجلس الدولة من دون ذكر حيثيات الرفض، هل بسبب نص شرعي أو لأن الإسلام يمنع ذلك. قيل باللفظ إنه غير ملائم في هذه الأيام، ولم يقولوا أبداً إن الأحكام الإسلامية تمنع تولي المرأة القضاء.

راهناً أصبحت قضية المرأة والقضاء محسومة ولا تحتاج إلى جدال أو مناقشة. أثبتت الحقائق والدلائل أن المرأة المسلمة صالحة للقضاء.

من أول امرأة جلست على منصة المحكمة الدستورية العليا؟

المستشارة تهاني الجبالي، بعد ذلك تم تعيين 42 قاضية في مصر، وقبل ذلك عينت سيدات أعضاء في النيابة الإدارية وصلن إلى أعلى المناصب وحققن أعلى درجات الكفاءة في العمل القضائي، وفي وقت من الأوقات تولت امرأة رئاسة هيئة النيابة الإدارية.

هل تعترف الدول العربية والإسلامية بهذا الحق للمرأة؟

تتولى رئاسة المحكمة الدستورية في السودان امرأة، والنائب العام في سورية سيدة بالإضافة إلى وجود 200 قاضية فيها وحوالى 40% من قضاة المغرب سيدات، حتى في دول الغرب مثل فرنسا، ترأست المرأة محكمة النقض،كذلك الأمر في الولايات المتحدة الأميركية، ولم يظهر أي تقصير في عمل أي قاضية ولم تُقدّم شكوى واحدة من أحكامهن ولم يوجه إليهن أي قصور في عملهن القضائي بل أثبتن نجاحاً كبيراً.

كيف تقيّمين تجربتك مع القضاء هل هي مهمة شاقة على المرأة؟

يناسب القضاء من يرغب في تحقيق العدالة سواء كان امرأة أو رجلا. ثمة سيدات مناسبات تماماً للعمل القضائي لأنه يتفق مع كفاءتهن ومقدرتهن وأخريات لا يناسبهن العمل في القضاء، كذلك الأمر بالنسبة إلى الرجال. أعتقد بأن المشقة في العمل لا تمنع المشاركة ولكن القياس هنا للمرأة نفسها لو أرادت هذا العمل أم لا.

هل صادفتك صعوبات في التعامل مع الرجال؟

في بداياتي كمحققة وأنا وكيلة نيابة كان الرجل الذي أحقق معه يندهش من كوني امرأة، لكن بعد مضي دقيقتين يكتشف قدراتي في التحقيق وأن من المستحيل خداعي.

أما على المستوى العملي والزمالة فتقبل الرجال مشاركة المرأة لهم في هذا العمل، على مستوى النيابة الإدارية شجع المستشارون ورؤساء هيئة النيابة الإدارية السيدة الكفوءة في النيابة ووضعوها في مراكز مهمة، ولم يكن أي فرق في نوعية القضايا المحقق فيها بين رجل وامرأة، نحن لم نصل إلى ما وصلنا إليه في القضاء إلا بمساعدة الرجل.

ماذا عن صورة المرأة المسلمة في المحافل الدولية؟

يعتقد الغرب أنها مهانة ويضربها زوجها بشكل قاس وأن الإسلام همش المرأة وإذلها، مع ذلك يسعى إلى معرفة الحقيقة والتعرف على تعاليم الإسلام الحقيقية.

كيف نوضح الصورة الحقيقية؟

بالتحاور، دعتني منظمات الأمم المتحدة عام 2006 لإلقاء محاضرة حول المفاهيم الخاطئة في الغرب بالنسبة إلى المرأة العربية والمسلمة، وفعلا أعددت دراسة باللغة الإنكليزية عن حقوق المرأة العربية والمسلمة والحقوق التي أقرها الإسلام للمرأة، فحققت ردة فعل قوية لدى المتلقي الغربي إذ انبهر الجميع بما أقره الإسلام من حقوق للمرأة.

هل واجهت اعتراضات على الأمور التي ذكرتها في الدراسة؟

فوجئت بعد إلقاء المحاضرة بشخص يقول لي: «كيف تؤكدين أن الإسلام أنزل المرأة منزلة كريمة مع أن أحكام الشريعة الإسلامية تقضي بحق الرجل بالزواج من أكثر من امرأة في وقت واحد ما يضر بكرامتها».

أفهمته الحقيقة من خلال مقارنة أجريتها بين الوضع في الإسلام والوضع في القوانين الغربية. لو افترضنا وجود رجل مسلم ورجل غربي وكان لدى زوجة كل منهما عيب يمنع المعاشرة كالمرض أو كراهية المعاشرة من جانب الزوجة، نجد المسلم يمارس حقه الطبيعي بالزواج من أخرى ويكون لها كامل الحقوق على الزوج وينسب أولادها إليه ويكون زواجها رسمياً، فيما يضطرّ الرجل في الغرب إلى اتخاذ عشيقة وقد تحمل منه سفاحاً وليس لها أي حقوق وليس لابنها حق الانتساب إليه.

كذلك قارنت بين وضع الزوجة الثانية وحقها في الإنفاق عليها وهي مصانة ومكرمة في بيتها، وبين العشيقة التي لا حقوق لها على الرجل، عندما أعطى الإسلام للرجل حق الزواج مرة أخرى إنما هو كرم المرأة أكثر من وضع التحريم، ومن لا ترضى أن يتزوج زوجها مرة أخرى عليها وترفض أن تكون زوجة ثانية، من حقها أن تشترط ذلك في عقد الزواج فلا ضرر ولا ضرار.

ما دور الجمعيات النسائية في عالمنا العربي والإسلامي؟

تنظيم حقوق المرأة ودعمها والبحث عن الوسائل المثلى للاستفادة منها كشريك للتنمية في الدولة.

قوامة الرجل في زماننا هذا كيف ترينها؟

تقول الآية الكريمة: «الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا». حددت الآية هنا القوامة بإلانفاق، فالشخص الذي ينفق على بيته من حقه القوامة، يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، طالما أن الرجل هو الذي ينفق يكون راعياً للمنزل وتكون له الكلمة العليا فيه.

ماذا عن قضية ميراث الأنثى في الإسلام؟

أثيرت هذه القضية خلال مشاركتي في المؤتمرات الدولية، فأوضحت أن أحكام الشريعة الإسلامية في الميراث عادلة جداً، عندما نصت الشريعة بأن يكون نصيب الذكر مثل حظ الأنثيين، فلأن الإسلام يقضي بأن يكون الرجل مسؤولاً عن الإنفاق على أسرته سواء زوجته أو أولاده وأحيانا يلتزم بالإنفاق على أمه أو أخته، ويقضي ذلك أن يكون له نصيب أكبر في الإرث ليستعين به على معيشته وينفق على من يعيلهم، وهذا حق يتفق مع العدل. أما المرأة فليست مكلّفة بالإنفاق على أي شخص، وهو نوع من العدالة الإلهية في تقسيم التركة والإرث.

يُتهم الإسلام بأنه يدعو إلى العنف ضد المرأة. كيف تردين على ذلك؟

الإسلام بريء من هذه الادعاءات، إذا قارنا العنف ضد المرأة في البلاد العربية الإسلامية وفي البلاد الغربية نجد أنه في هذه الأخيرة أضعاف ما يجري عندنا.

ما الأسباب التي دفعتك إلى سنّ قانون جديد للأحوال الشخصية في مصر؟

صدر قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم المصرية لغاية اليوم عام 1920، وخلال قرن من الزمان تطوّر النظام الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للأسرة المصرية واحتياجاتها وظروفها، من هنا باتت الحاجة ملحة إلى سنّ قانون أحوال شخصية جديد في ظل هذا التطور السريع للمجتمع مع مراعاة عدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية والالتزام بمبدأ المواطنة وحقوق الإنسان والعدالة التامة للجميع.

كيف تردين على من يطالب بتشريع قانون يمنع تعدد الزوجات؟

لا أوافق لأن تعدد الزوجات حكم أتت به الشريعة الإسلامية ولا يجوز حظر ما أباحه الدين الإسلامي، بخاصة أنه أبيح لعلّة معينة هي في صالح المرأة والزوج والأسرة وصوناً لحقّ المرأة الجديدة وسداً للفتن. ثم من حق المرأة طلب الطلاق للضرر، إذ كما أباح الشرع التعدد أباح لها طلب الطلاق أو الاستمرار مع الزوج.

وعلى من يطالب بحق الزوجة في تطليق نفسها متى رغبت في ذلك؟

هذا الأمر غير ممكن بالطبع، لكن توجد وكالة في التطليق، بحيث يوكل الرجل زوجته تطليق نفسها متى أرادت أو تكون العصمة في يدها، يتم ذلك بشكل قانوني وشرعي بالإتفاق بين الزوجين.

وعلى من يطالب بإعطاء المرأة أجر مقابل رعاية الأسرة والأبناء والرضاعة؟

سواء كانت فقيرة أو ثرية تأخذ الزوجة نفقتها من الزوج الذي ينفق على الأسرة ويلبي حاجاتها اليومية. إذاً لا داعي لمثل هذا الطلب.

المهدي في سطور:

- عملت في النيابة الإدارية بعد تخرجها في كلية الحقوق، بدأت كمحقق وتدرجت إلى وكيل للنائب العام ثم رئيس للنيابة وحالياً تشغل منصب نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية ومستشار في اللجنة الدستورية التشريعية في مجلس الشعب المصري.

- لها أبحاث ودراسات تزيد على 600 تتناول حقوق المرأة، حقوق الإنسان عموماً، الفساد الإداري، البيئة وغيرها...