دراما شهر رمضان!
كل عيد وأنتم بوصلٍ جميل مع الأحبة وخير وسرور. مرَّ شهر رمضان، ليس كباقي الأيام، فهو شهر يحمل مذاقاً خاصاً ونكهة نادرة. لكن، كما هو ديدن الدنيا، فإن المذاق والنكهة يتغيران بتغيّر الأيام، وينتقلان من حالة إلى حال، وليس أدل على ذلك من طغيان البذخ المادي والخيم الرمضانية وموائد الطعام على الصوم والعبادة، واحتلال وسيطرة مسلسلات القنوات الفضائية على اهتمام ووقت الصائم على مدار الساعة.
إن كثرة الأعمال الدرامية المحلية والخليجية والعربية في شهر رمضان وتنوعها وتزاحمها مع برامج المسابقات والكاميرات الخفية، يجعل من المستحيل على المرء متابعة جميع هذه الأعمال، والوقوف على جديتها ومستواها الفني، ناهيك عن محتواها الفكري، ومدى قدرتها على تقديم الواقع الإنساني بثوب الواقع الفني الآسر. إن فحصاً أولياً عابراً لبعض المسلسلات الرمضانية الخليجية والعربية، يظهر أنها تشترك في مجموعة نقاط منها: - تحاول أعمال درامية كثيرة محاكاة الأمس القريب والبعيد، بنظرة فيها من الرومانسية الكاذبة أكثر مما فيها من الواقعية الصادقة. فالأمس القريب أو البعيد، لم يكن أبداً بهذه الصورة من الصفاء والرفاهية والتحاب والتعاون الاجتماعي والصدق في التعامل الإنساني، فكل زمن وكل مجتمع، يحيا أي فترة وفق قوانين الحياة الفاعلة والقاسية، والتي بالضرورة تقول بوجود السيئ إلى جانب الحسن، وبالتالي فإن تصوير الماضي بوصفه الجنة المفقودة، يعدّ تصويراً بعيداً كل البعد عن الحقيقة والواقع، وظلماً بحق الواقع الراهن المعاش. - يقدّم البعض صوراً من الماضي القريب المعروفة بعيدة كل البعد عن سياقها وواقعها، ولا أدري كيف يمكن لكاتب قصة وكاتب سيناريو ومعد ومخرج وفنان ممثل، كيف يمكن لكل هؤلاء أن يتجاوزوا عن حقائق معروفة، ويرضوا بتقديم واقعة تاريخية مشوهة وخارج سياقها الصحيح؟ وكأن الجميع متواطئ لتقديم الواقعة بشكل مخادع. مع العلم بأن الفن ليس نقلاً حرفياً للواقع، لكن الفن إذ استلزم تصوير الواقعة التاريخية بشكل مختلف عن حقيقتها، فإنه يستلزم أيضا تقديمها بحقيقة فنية مبررة وقادرة على إقناع المشاهد أو المستمع بحقيقيتها ضمن سياقها الفني. - بغية الوصول إلى المشاهد والاستحواذ على اهتمامه، يحاول البعض تقديم المشهد الفكاهي، لكن هذا البعض يسترخص نفسه، ويقدم مشاهد بائسة ومخجلة تدعو للدهشة، ليس لسخافتها، بل لقبول الكاتب والمعد والسينارست والممثل تقديم مثل هذه المشاهد المسيئة للكرامة الإنسانية والذوق العام. فهناك ممثلون يستكثر عليهم المشاهد صفة فنان، بسبب من إساءاتهم لأنفسهم وللفن من خلال إقدامهم على حركات أبعد ما تكون عن التمثيل، وتحت مسمى المشهد الفكاهي. - تحت مسمى برامج المسابقات، وفي حين يقدم البعض برامج مسابقات فكرية وثقافية وأدبية ممتازة تستحق الإشادة والاحترام، فإن البعض الآخر، يقدم تحت حجة هذه البرامج حركات ومشاهد مخلة بالذوق، تستجدي رضا المشاهد عبر تقديم حفنة دولارات له. وكل هذا يأتي بقصد اقتناص نقود المشاهد لجيوب شركات الاتصالات النقالة، التي وجدت في مثل هذه البرامج كنزاً عبر الرسائل التلفونية. إن شهر رمضان المبارك، وتماشياً مع أزمان متحركة ومع عولمة ثقافية وفنية إنسانية، جعلت من دنيا الأرض عالماً واحداً صغيراً، يستلزم منا إعادة النظر في كيفية التعامل معه، وكيفة اقتناص فرصة مروره، للتمتع بصفاء روحي يصعب الوصول إليه.