طرحت الاشتباكات التي شهدتها بعض شوارع بيروت وأحيائها ليل الثلاثاء – الأربعاء أكثر من علامة استفهام بشأن الخلفيات السياسية على الرغم من تأكيد كل من "حزب الله" وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، اللذين تواجها بالسلاح الخفيف والمتوسط على مدى أكثر من خمس ساعات، أن ما حصل ليس سوى تطور لحادث فردي.

Ad

لكن سقوط أربعة قتلى وعدد من الجرحى، والدمار الذي لحق بمؤسسات دينية وتجارية وبأملاك الناس من سيارات ومنازل ومحلات تجارية ومؤسسات اقتصادية، وسرعة توسع المواجهات انطلاقاً من برج أبي حيدر، وصولاً إلى مستديرة الكولا وكورنيش المزرعة على تخوم الطريق الجديدة، ومن ثم في اتجاه رأس النبع – بشارة الخوري على تخوم وسط بيروت التجاري، دفعت المراقبين إلى البحث عن خلفيات أبعد من الحادث الفردي.

وأبرز ما توقف عنده المراقبون في هذا الإطار هو العلاقة التاريخية التي تربط بين جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية من جهة وسورية من جهة ثانية منذ زمن الوجود السوري في لبنان، وهو ما يفرض أن تكون العلاقة بين الجمعية و"حزب الله" جيدة أيضاً.

لكن دائرة الاشتباكات بين الجانبين، والشراسة التي اتصفت بها المواجهات، أظهرتا وكأن العمليات العسكرية تدور بين خصمين شرسين، تقوم العلاقة بينهما على تاريخ طويل من الدموية وعمليات الثأر.

وفي حين رد بعض المراقبين شراسة المواجهات إلى خلفيات الصراع السني - الشيعي في ضوء ذيول ورواسب 7 مايو 2008، التي لم تعد الأطر التنظيمية والسياسية قادرة على استيعابها واحتوائها، رسم آخرون علامات استفهام حول رسائل سياسية يمكن أن تكون سورية في صدد توجيهها إلى حزب الله، ومن خلاله إلى إيران، وربما إلى المملكة العربية السعودية والغرب.

ويرى طارحو علامات الاستفهام أن العلاقة القديمة بين سورية وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية تدفع إلى تصور أكثر من سيناريو بشأن ما حدث، على خلفية أنه لا يمكن لقيادة الجمعية أن تتخذ قراراً بالمواجهة مع "حزب الله" من دون العودة إلى القيادة السورية.

ومن بين هذه السيناريوهات أن دمشق أرادت أن توجه رسالة إلى حزب الله كدفعة على حساب الاتفاق السوري – السعودي القائم على قاعدة عدم جواز هز الاستقرار في لبنان. ذلك أن الحزب الذي يلوح في إطار المواجهة التي يخوضها لإسقاط المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بفرض أمر واقع عسكري على أرض بيروت في تكرار لسيناريو 7 مايو 2008، تلقى رسالة سورية بأن مثل هذه العملية لا يمكن أن تتم بسهولة من دون موافقة سورية مسبقة، وهو ما لا يبدو متوافراً في الوقت الحاضر.

ويذهب البعض بعيداً في تفسير ما حصل، مشيراً إلى أن دمشق تستعيد من خلال "إحياء وتقوية" جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية وغيرها من التنظيمات السنية، كـ"المرابطون" ومجموعات النائب والوزير السابق عبدالرحيم مراد في البقاع، ومجموعات من حركة التوحيد في طرابلس والشمال، نفوذها في الشارع السني، في محاولة لإضعاف تيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري، بعدما أدت المواجهة غير المباشرة معه من خلال "حزب الله" الى تقوية عصبه السني، بحيث تبدو أي مواجهة معه مواجهة مع الطائفة السنية كلها. من هنا يرى أصحاب هذا التفسير أن سورية تسعى إلى إحداث شرخ في الطائفة السنية على قاعدة تظهير جمعية المشاريع، وكأنها الجهة القادرة على مواجهة "حزب الله" عسكرياً على أرض بيروت في وقت لم يتمكن تيار المستقبل من "الدفاع عن السنة" في 7 مايو 2008.

أما المغالون في التفسيرات فيرتكزون على كلام للوزير السابق وئام وهاب قبل أيام، يقول فيه إن أي فتنة سنية – شيعية ستعيد الجيش السوري إلى بيروت وبقية المناطق اللبنانية، ويعتبرون أن ما شهدته مناطق برج أبي حيدر وكورنيش المزرعة والكولا ورأس النبع هو بداية تحضير لأجواء تشبه أجواء الحرب بين "الحزب التقدمي الاشتراكي" و«حركة أمل» في الثمانينيات من القرن الماضي التي انتهت باستدعاء أبناء بيروت للجيش السوري لوقف المواجهات، بعدما تعذر على اللبنانيين وضع حد للفلتان الأمني والعسكري.