الحكومة، رغم الدم المنثور والخطأ غير المغفور، رفضت استقالة وزير الداخلية «عِنداً» بمسلم البراك، قبل أن تدلدل لسانها له وهي تفرك قبضة يدها اليمنى على كف يدها اليسرى، والوزير يغني للبراك أغنية وردة الجزائرية بكلمات عبدالوهاب محمد وألحان العظيم بليغ: «روح روح عدّ أوراق الشجر، روح روح عد حبات المطر، عد النجوم عد البشر، وتعالى تعالى هنا وتلاقيني أنا» ويغني لعلي الراشد: «ولولاك ما كان عمري اغتنى، أُنس وهَنا، ولا دندنة، ولا كنت حسيت بالربيع، في كل أيام السنة». والوزير ضَمِنَ فأمِنَ فنام. ضَمِنَ النواب فأمِنَ الكرسي فنام وترك القرعة ترعى.

Ad

وإلى هذه اللحظة لم أكتشف سر «استذباح» علي الراشد في الدفاع عن الوزير، مع أنه سوف «يلصق» بالوزير الجديد قبل أن يرتد إليه طرفه، كما هدهد سليمان. وجريدة «الراي» الشقيقة، عبر زاوية «ثرثرة» تلمّح إلى أن «طرفة بن العبد» شاعر المعلقات، وصاحب قصيدتي «يا أرنبتي» و«قطوتي يا قطوتي»، المواطن الكحّيتي، يمنّي نفسه بالمنصب، ويسوّق اسمه، ويقف على المسرح يستعرض قوامه الممشوق، كما كان يفعل غانم الصالح في مسرحية «باي باي لندن»: «هذا أنا من قدّام، وهذا أنا من ورى، وهذا أنا كلّي»، ويبدو أنه نظم قصيدة فخرٍ نونية استعداداً لهذه المناسبة: «دندونة يا دندونة، وزارتي المزيونة، فيها جبنة وصمونة، وأصغر عقد بمليونة».

وسابقاً كانوا يقولون: «رئيس الوزراء ليس المسؤول عن أحداث الصليبيخات، والأصحّ أن تستجوبوا وزير الداخلية»، واليوم يقولون: «وزير الداخلية لم يكن يمتلك السلطة الكاملة على وزارته، واليوم امتلكها وسينظفها، فامنحوه الفرصة»، أي أن علينا أن نتحمل، نحن لا هو، خطأ قبوله المنصب من دون صلاحيات، والجلوس على الكرسي لتكملة العدد بما يخالف مواد الدستور وروحه، فالمهم هو «البشت» والمسمى الوظيفي.

وغداً سيتكرر السيناريو، فتصوت كتلتا «الشعبي والتنمية» مع طرح الثقة، وسيصوت معهما عدد من نواب المعارضة، وستعقد كتلة «الوطني» أربعة اجتماعات، ثم تصوّت ناقصة، وسيرفض بعض المشايخ النواب طرح الثقة بالوزير التزاماً بـ«فتوى» نهَت عن ذلك، ووو، وسيستمر الوزير، وسيُقتل مواطنٌ آخر، فتثور ثائرة الناس، ويحتج نواب «التأزيم»، فتتشكل لجنة تحقيق برلمانية، يتنازل فيها النائب عسكر للنائب العمير، فلا فرق، وتعقد كتلة «الوطني» أربعة اجتماعات، ويبدأ سوق الحراج، وتنتشر «تجارة الدم»، فيحصل هذا على منصب لأخيه، ويحصل ذاك على عقد صيانة، ويثري الثالث والرابع والخامس، ويفشل الاستجواب، فيُقتل مواطن ثالث، فيحتج النواب، فتشكل لجنة تحقيق برلمانية، وتبدأ تجارة الدم...

وتجارة الدم ليس كمثلها تجارة، فلا رواتب موظفين ولا إيجار ولا تكلفة مواد خام ولا طاق ولا طرباق، «ارفض واربح»، ارفض طرح الثقة وستحلق فوق رأسك العصافير الملونة.